الجمعة، 7 ديسمبر 2012

في الغربة أعدت اكتشاف الإسلام!


في الغربة فرصة عظيمة لتكتشف أن هناك من يفقه في الدين غير السعوديون. أعتقد أن كثير من الطلبة السعوديون في الخارج أحسوا بنفس الشعور. أتذكر في أول صلاة عيد لي في الولايات المتحدة كان الخطيب صومالي، متخرج من الأزهر، خطب خطبةً واحدة  وليس اثنتين كما تعودت أن أصليها طوال عمري في المملكة. سلمت عليه بعد الصلاة، وباركت له بالعيد، وأردت أن أنبهه "لخطأه" بأدب، وقلت له يبدو أنك يا شيخنا مستعجل اليوم ونسيت الخطبة الثانية. تبسم وقال أنتم في السعودية تصلونها خطبتين، ولكن ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلاها بخطبة وبخطبتين. للأمانة كانت الحادثة مفصلية، كأني استيقضت من النوم لأعرف أن ما تعلمناه ومارسناه طيلة حياتنا لا يعني أنه لايوجد مذاهب أخرى، وآراء أخرى صحيحه. مازلت أرى بعض الطلبة الجدد يصفون أي اختلاف يرونه في الصلاة أو الدعاء بالبدعة، وهي ما يأتي على البال مباشرة. فمثلاً الشافعيه يضيفون في تسليمتهم من الصلاة لفظ "وبركاته" على "السلام عليكم ورحمة الله". الحقيقة أنك في الغربة في مدرسة مفتوحة تتعلم فيها طرق مختلفة لممارسة الشعائر الإسلامية، وهذا لايعني أنه ليس هناك ممارسات خاطئة فعلاً تكون بجهل، مثل من يتحدثون خلال خطبة الجمعة. الأهم في رأيي أن نستفسر من أي تصرف لا نعرفه، فلربما كان لهذا الفعل أصل نحن نجهله، وإذا لم يكن فهنا من واجبنا أن ننصح، وحتى النصيحة يجب أن تكون بأسلوب مهذب وغير مباشر، خصوصاً أني لاحظت بعض الحساسية من السعوديين، فهم لايحبون فكرة أن السعوديين هم أعلم الناس بالدين.
ولكن الأهم في الحقيقة أنك في الغربة تستشعر دور المسجد الذي كان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام. ذلك المسجد لم يكن فقط للصلاة، ولكن كان لإجتماع المسلمين ومناقشاتهم واحتفالاتهم، وكانت أيضاً تقام فيه الدروس. وهذا وضع المسجد هنا في الولايات المتحدة. أنه المكان الذي يجمعنا، ففي مسجدنا على سبيل المثال، في نهاية الإسبوع دروس للأطفال عن الإسلام واللغة العربية. ويوم الإربعاء درسٌ في اللغة العربية للكبار، كما كان لدينا درس إسبوعي في التجويد. عندما ترى تعطش الإخوة المسلمون من غير العرب لتعلم اللغة العربية من أجل التلذذ في قراءة القرآن وفهمه تعيد النظر ألف مرة في إيمانك. في الغربة تضع إيمانك على المحك، وفي اختبارٍ دائم حيث كل الملهيات المحرمة حولك ومتاحة. ولكن حينما يقصون عليك حلاوة الإيمان التي ذاقوها مقارنة بحياتهم قبل الإسلام تعرف نعمة الله عليك أن جعلك مسلماً، وأنه لم يفتك شيء في حياتهم، فهم جربوا كل ملاهي الدنيا، وفعلوا من الموبقات ما لا يعلمها إلا الله، ومع ذلك لم يجدوا السعادة، وهربوا من تلك الحياة إلى الإسلام.  أتذكر أني سألت أحد الإخوة الأمريكان عن سبب إصراره الدائم على لبس الطاقية والملابس الفضفاضه "جلباب". فقال أعلم أنها ليست عقيدة أو جزء من الدين، وأعلم أني استطيع أن أصلي دون لبسها، ولكني ألبسها في كل مكان لكي يعرف الناس أني مسلم، أريد أن أمشي في الشارع ويعرف كل من يراني أني مسلم، مؤكداً أني لا أستطيع استيعاب مدى افتقادهم للهوية الإسلامية، وفخرهم الكبير بإنتمائهم لهذا الدين العظيم. كما أنه يتحسر على شباب المسلمين الذين يستميتون للتشبه بغير المسلمين.
حينما تتسنى لك الفرصة للدخول في نقاشات عن الإسلام لشرحه وتوضيح المفاهيم الخاطئة عنه مع غير المسلمين تحس بسعادة أنك ساهمت في الدفاع عن الإسلام وأوضحت لهم الخطأ. وإذا أسلم أحدهم على يديك، فهذا خيرٌ لك من حُمر النعم. الفكرة النمطية لدينا أن الدعوة للمشائخ، ولكن في الغربة تكتشف نفسك من جديد، تعرف أن مسئوليتك أن تقدم الإسلام بسماحته ورقي معانيه بالشكل الذي يليق بهذا الدين العظيم. وبسبب الأسئلة المتكررة التي تأتي عن الإسلام فإنك تبحث عن إجابات لها حتى ترد على من يسألك، وهذا بحد ذاته تثقيف جديد لك في دينك. فمن أكثر الأسئلة التي تأتيني عن وضع المرأة وحجابها، وتعدد الزوجات والعلاقات بين الجنسين قبل الزواج، وشرب الخمر والجهاد. وأجد أنه من واجبنا أن نلم بهذه المواضيع حتى نكون مستعدين للرد. أتذكر أن أحد جيراني، الذي توطدت علاقتي معه، سألني بعد تردد طويل عن صحة ما يسمعه في التلفزيون من أن المسلم إذا قتل غير مسلم فإنه يدخل الجنة مباشرة ويحصل على حوريتان. قلت له إذا كان هذا صحيحاً فلماذا لم أقتلك حتى الآن؟! ثم قلت له لن أجيبك بكلام إنشائي، ولكني سأحيلك للقرآن، وشرحت له معنى الآية الكريمة (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) وفي هذه الآية لم يحدد الله عز وجل الديانة، قال "نفساً".
دمتم بخير.،،،

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

الإجهاض في أمريكا.. ومليون حالة حمل للمراهقات سنوياً!



في الولايات المتحدة تعتبر قضية الإجهاض المتعمد أحد أكثر القضايا جدلية في المجتمع الأمريكي، فهناك من يعارضها لأسباب دينية وهي قتل النفس، وهناك من يؤيدها بدعوى حرية المرأة في إتخاذ قرارها والتحكم في جسدها. في عام 1973 أعلنت المحكمة العليا أن للنساء حق دستوري في الإجهاض، ثم في عام 2003 وقّع الرئيس الأمريكي جورج بوش قانون يحظر الاجهاض في المراحل الأخيرة من الحمل، حيث قال إن الحكومة "تدافع عن الأطفال الأبرياء".هذه القضية نجدها حاضرة دائماً في اللعبة الإنتخابية، فبينما يعارض الحزب الجمهوري الإجهاض، فإن الحزب الديموقراطي يدعمه. وقد أظهر استطلاع لرويترز أن الرئيس الأمريكي بارك أوباما حصل على تأييد 55% من أصوات النساء لنظرته المرنة تجاه قضايا حقوق الإجهاض وزواج المثليين. وقد بلغ عدد حالات الإجهاض منذ عام 1973 وحتى الآن أكثر من 55 مليون حالة، وهذه السنة 2012 لوحدها تجاوزت المليون حالة.
في عام 2009 كان الطبيب جورج تيلر (67عام) يهم بدخول كنيسة قبل أن يُغتال من قبل مسلح لاذ بالفرار، وهذا الطبيب كان من القلائل الذين يوافقون على اجراء اجهاض في فترات متقدمة من الحمل. وكثيرا ما كانت تنظم تظاهرات مناهضة له امام عيادته التي كان يجري فيها عمليات الاجهاض، وقد صدرت إدانة شديدة من الرئيس بارك أوباما على هذه الحادثة مؤكداً أن قضية لن تُحل بالعنف.
وفي بلد يبلغ حمل المراهقات فيه أكثر من مليون حالة سنوياً، وهي الأعلى عدداً ونسبة في العالم، يبذل المتدينون جهوداً مضنيه لتجريم الإجهاض، وهناك جمعيات كثيرة تزور المراكز الطبية التي تستقبل الحوامل الراغبات بالإجهاض وذلك لإقناعهن "بحرمة" الإجهاض، ويحالفهم الحظ أحياناً في إقناع البعض، كما أن جميع مراكز الرعاية الصحية في أمريكا تقدم الواقيات الذكرية مجاناً وذلك في محاولة للحد من حالات الحمل الغير مرغوب به.. ولكن ما يثير حيرتي فعلاً والتي طرحتها على استاذي وزملائي في المحاضرة، لماذا يركز معارضوا الإجهاض عليه، بينما لانسمع منهم معارضه أو حتى تحذير من ممارسة الجنس قبل الزواج، وهو محرم في المسيحية بالمناسبة. بإختصار هم يركزون على النتيجة، لكنهم لايحاولون معالجة الأسباب، وأهمها "الجنس قبل الزواج" والذي أدى لحمل أكثر من مليون مراهقة! لم يعلق أحد من زملائي، لكن الأستاذ قال بالتأكيد أن ما تقوله صحيح، لكن بسبب أن الجنس قبل الزواج أصبح هو الأصل في المجتمع الأمريكي، فإننا نناقش النتائج ونتجاهل الأسباب، مؤكداً أن الجميع يعلم أن المسيحية تحرم الجنس قبل الزواج، ولكن الجميع أيضاً يتجاهل هذه الحقيقة.
دمتم بخير.

الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

وفاز أبوحسين.. دروس وعبر .. شاهدتها!



اسدل الستار البارحة على فوز كبير للرئيس الأمريكي بارك أوباما على نظيرة مت رومني، ومخالفاً كل التوقعات واستطلاعات الرأي، حيث فاز أوباما بـ 303 نقطة، بينما حصد رومني 206، ويكفي المرشح أن يحصل على 270 نقطة ليضمن المقعد الرئاسي. وبلغ العدد الإجمالي للمصوتين أكثر من 117 مليون  ناخب.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، كانت الأجواء في الولايات المتأرجحة (أو المترددة) والتي لم تحسم لأحد الطرفين بعد صاخبه، والحملات الإنتخابية على أشدها وأنصار الفريقين ينتظرون لساعات في أجواء باردة ليسمعوا خطاب مرشحهم المفضل، مثل أوهايوا والتي اختارت لاحقاً أوباما. بينما الولايات المحسومة والتي كان يعلم المرشحان أنهما سيحصلان عليها فكانت أكثر هدوءً، فليس هناك ما يستدعي إضاعة الوقت والمال فيها، مثلاً كلفورنيا كانت محسومة لأوباما، وتكساس محسومة لرومني.
وبما أني أدرس مادة الآن عن الرئاسة الأمريكية فكان موضوع الإنتخابات حاضراً في كل محاضرة، وكانت القاعة منقسمة بين أوباما ورومني، لكن ما أعجبني فعلاً أن لامجاملة لدى الأمريكيين، فمناصري أوباما كانوا أول من ينتقده على سياساته الخاطأة ووعوده الرنانة التي لم يحقق الكثير منها، لم يحاولوا تلميع صورته أمام أنصار رومني، لكن في المقابل كانوا يؤمنون أن أوباما رغم "سؤه" أفضل من رومني. وفي المقابل مناصري رومني كانوا ينتقدونه على بعض تصريحاته والأخطاء التي صدرت منه مثل الفديو المسرب الذي تحدث أن هناك 47% من الشعب الأمريكي سيصوتون لأوباما في كل الأحوال، وأنهم لايهمونه.
بالرغم من هذه الأجواء الحماسية والتنافسية لم نرى أي احتكاك أو مشاكل بين الطرفين، كلٌ يعمل ويحترم الأخر.
والبارحة كنت أحضر تجمع في جامعتي نظمه قسم العلوم السياسية لمتابعة صدور النتائج والتي كانت تأتي تباعا،ً وكل بضع دقائق يعلن عن فوز أحد المرشحين بإحدى الولايات، فتتعالى أصوات المناصرين، كانوا يجلسون بجانب بعضهم البعض دون احتقانات أو تشنجات، أبهرنتي هذه الروح الجميلة. وقد توّج الروح الجميلة مباركة رومني لأوباما والتي تمنى بها التوفيق للرئيس وأثنى عليه، ثم حضر الرد الأجمل من أوباما الذي أثنى على رومني وفريق عمله. هذه القيم يتعلمها صغارهم وينشؤون عليها، وهي بكل تأكيد أحد أسرار سيادتهم للعالم.
سواء كنت تحب أو تكره أمريكا، يجب أن تكون منصفاً في وصف هذا العرس الرئاسي البهيج، الجميع يتوجه للشعب ويطلب رضاه لكي يحصل على أصواته ويصل للكرسي، ثم يعلم أن أمامه 4 سنوات وسيقول الشعب كلمته من خلال تقييمه لعملك، فالشعب هو الرقيب الأول. ثم إن الرئيس حتى لو ترشح لفترة رئاسية ثانية، فإنه حريص على تقديم ما يرضي الشعب عنه، فهو من جهة أخرى حريص على فوز المرشح القادم من حزبه في الإنتخابات.

الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

حينما يقف الأستاذ الأمريكي مع الإسلام


أحد أساتذتي في الجامعة كان يعمل لبضع سنوات في المغرب، ثم تنقل بين مجموعة من الدول الافريقية الفقيرة، لديه خلفية عن الإسلام ويعلم (من خلال ما عرفه عن الإسلام) أن ما يرتكب من جرائم بإسم الإسلام لا تمت له بصلة، وأولها حادثة 11 سبتمبر. الرجل متفرغ لمدة سنة لتآليف كتاب، لذلك لم أره هذا الفصل الدراسي حتى اجتمعت به بالأمس في حفلة سنوية يقيمها رئيس قسم العلوم السياسية في منزله، تجمع الأساتذة وطلاب الدراسات العليا، وموظفي القسم، رحب بي كثيراً، وتغزل طويلاً بالتمر الذي احضرته للحفلة، وقال لي هل قرأت مقالي في الصحيفة عن زيارتي للمسجد الذي يقع في مدينة تبعد عنا حوالي 40 دقيقة؟ قلت لا، ولكن لماذا تبدأ بالبعيد وأنت لم تزر مسجدنا القريب جداً من الجامعة، قال لم تصلني دعوة، أهل ذلك المسجد قدموا لي دعوة للحضور، فلبيتها.
عدت للمنزل لأبحث عن مقاله الذي احتوى على أنه وحوالي عشرة أشخاصٍ معه زاروا ذلك المسجد بدعوة من أهله، وذلك مباشرة بعد الاحتجاجات الكبيرة على الفلم المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام، وماصاحبها من مقتل السفير الأمريكي في ليبيا. حضر الضيوف صلاة الجمعة، واستمعوا للخطبة التي تحدثت عن الفلم المسيء، وموقفنا كمسلمين منه، وماذا يمثل لنا جناب الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. أعقبها حفل غداء للوفد، تبادلوا فيه النقاشات وطرحوا استفساراتهم على المسلمين، وسمعوا الإجابات منهم مباشرة. لقد خرج استاذي وأصحابه بإنطباع جميل عن الإسلام والمسلمين، وكان مقاله إضاءه لغير المسلمين بحقيقة الإسلام، حتى أنه ضمّن مقاله بشرح عن الإسلام، وهذا ما يحتاجه فعلاً الأمريكان، معرفة حقيقة الإسلام بعيداً عن التحريض الإعلامي الذي يمارس في كثير من وسائل الإعلام، ولعلي أقول أني لاحظت هذا التحريض في ولايتي الحالية (المسيسيبي) أكثر من ولايتي السابقة (منيسوتا)، ومقال من استاذ مهم في العلوم السياسية في صحيفة المدينة، وعلى أقل تقدير نضمن أن معظم أساتذة الجامعة والمثقفين سيقرأونه، وهذه هي الفئة المؤثرة، فهم من يُدرس الطلاب، وهم من يؤلف الكتب، وهم من يخرجوا في وسائل الإعلام المختلفة، وتبيان الحقيقة لهم هو أمر بالغ الأهمية، وقد رأيت في الحفلة كثير من الحضور يباركون للدكتور مقاله الجميل.
أعجبني جداً ماقام به الإخوة المسلمون في المدينة المجاورة من استغلال الفرصة ودعوة هذا الوفد من الأساتذة، والذي لقي قبول منهم وترحيب، وأول نتائجه هذا المقال المنصف. في أمريكا آلاف المساجد، ودورنا كمسلمين هو تعريف غير المسلمين بحقيقة ديننا، ليس شرطاً أن يسلم، ولكن مجرد معرفته بحقيقة الإسلام ستجعله بصف المدافعين عنه في كل المحافل التي يشارك بها. ماذا لو قمنا نحن المبتعثين بدعوة أساتذتنا لحضور خطبة الجمعة، وتعريفهم بالمجتمع المسلم الموجود، سنجد من يودون ذلك بالتأكيد ولكن لم تتح له الفرصة، خصوصاً إن علمنا أن الأمريكان بشكل عام يتلهفون للتعرف على الثقافات الأخرى، والإسلام الآن حديث الساعة، وهو موضوع مشوق جداً، فلنستغل الفرصة لدعوتهم لزيارة المساجد. حقيقةً ندمت كثيراً لأني لم أبادر بدعوة أستاذي للمسجد بشكل رسمي، رغم أني قلت له سابقاً في أكثر من مناسبة أننا نتمنى زيارتك لنا في المسجد، ولكن ربما أخذها كدعوة مجاملة لا أكثر. وقد أرسلت له إيميل أشكره على مقاله المنصف، وأقدم له دعوة رسمية بزيارتنا في صلاة الجمعة القادمة.
وهنا مقالة لمن أراد الإطلاع:
http://www.hattiesburgamerican.com/apps/pbcs.dll/article?AID=2012209220306

الاثنين، 17 سبتمبر 2012

محاضرتي والفيلم المسيء


بدأت محاضرتي، والتي كانت بعد يومٍ واحدٍ من مقتل السفير الأمريكي في ليبيا، بمناقشة ذلك الحدث، مادتنا بالأصل عن الرئاسة الأمريكية، ومحور النقاش كان عن تأثير ذلك الحدث على حظوظ مرشحي الرئاسة في الإنتخابات الأمريكية القادمة، ولكن الحديث بالتأكيد تشعب ليغطي كل الجوانب، فضلت أولاً سماع وجهات نظر زملائي الطلاب، والتي كانت في مجملها متزنه، ثم تحدثوا عن الفيلم المسيء والذي كان سبباً في كل ذلك، سأل الدكتور عن فحوى الفيلم فهو لم يشاهده، ووصفه بعض من من شاهده بأنه فيلم سخيف وبدائي، ويحاول تصوير الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بأبشع الصفات، لفت نظري وأعجبني أن الطلاب استخدموا لفظ "النبي محمد" وليس فقط "محمد" حين ذِكرهم له صلى الله عليه وسلم، لا أعلم هل هي مجاملة لي، أم أنهم كانوا سيقولونها كذلك حتى لو لم أكن موجوداً، لم يكن الجميع قد شاهدوا الفيلم، لذلك طلب بعضهم من الدكتور أن يشاهدوه ليحكموا بأنفسهم، بدأ الدكتور يبحث عن الفيلم في اليوتيوب ووجده، حينها أردت تسجيل موقف، واستأذنت في الخروج لأني لااستطيع مشاهدة هذا الفيلم الذي ينتقص من نبينا الكريم، قال لي الدكتور أنه يتفهم تماماً موقفي، وقد بدت عليه علامات الإرتباك والتردد في عرضه، عموماً غادرت القاعة، وما هي إلا دقيقة وأجده يدعوني للدخول لأنه ألغى فكرة عرضه بعد أن شاهد أولى الثواني، وقال هذا فيلم وقح لا يمكن أن أعرضه في محاضرتي. منذ اللحظة الأولى لدخولي القاعة وأنا أحس أن الجميع ينتظر تعليقي، فأنا المسلم الوحيد في القاعة، وخروجي بسبب عرض الفيلم أثار مزيد من الإهتمام بالموضوع، حينها طلبت التعليق وأخبرتهم أولاً أن الإسلام يدين العنف بجميع أشكاله، ولم يكن يوماً الإسلام دين عنف، ولكنه دين سلامٍ واحترام، وأكدت لهم أن عقلاء المسلمين يرفضون ما حدث من عنف في ليبيا أدى لمقتل السفير هناك، ثم أننا حتى الآن لانعلم من قام بهذا العمل، والتحقيقات مازالت جاريه، وقد يكون الحادث كله مدبراً من جهات تحاول إسقاط النظام الجديد في ليبيا وزعزعة استقرارها، أو الإنتقام من الولايات المتحدة. ثم إنه لم يعد من المنطق أو العقل أن يقال أن هذه الإساءات المتتالية للإسلام تدخل ضمن حرية التعبير عن الرأي! تتوقف حريتك حينما تؤذي مشاعر الغير، هل يعقل أن 1.5 مليار مسلم تؤذى مشاعرهم تحت مبدأ حرية الرأي! ثم كيف يعتبر التشكيك "مجرد التشكيك" في الهولكوست (محرقة اليهود التي تمت على يد هتلر) جريمة يعاقب عليها القانون، بينما يهان دينٌ كاملٌ من خلال التعرض لنبيه أو كتابه، ويسمى ذلك حرية رأي! إن هذا هو منبع الإرهاب حقاً، ومع تزايد هذه الأحداث سيكون هناك ردود فعل عنيفة، وسيزيد الإحتقان ضد الغرب وأمريكا تحديداً، فالوقت قد حان لأن يصبح التعرض للأديان والأنبياء جريمة يعاقب عليها القانون، وفي نهاية المحاضرة تقدم الدكتور لي بإعتذار شديد، وقال ماكان يجب أن أفكر مجرد تفكير بعرض الفيلم دون مشاهدته أولاً.
الذهنية الغربية عموماً لا تستطيع أن تستوعب ردود الأفعال هذه، فبمجرد أن يتم التعرض لنبينا الكريم ينتفض العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه من أجل رجلٍ توفي من 14 قرناً! هم يقيسونها على أنفسهم، فعيسى عليه السلام يصور كل يوم في مسلسلاتهم الكوميدية بأشكال وصور لا تليق البته، ومع ذلك لايغضب أحد، علماً أنه عليه السلام بالنسبة لهم هو إله وليس فقط نبي!
بقي أن أقول أن دورنا كمبتعثين تحديداً هو توضح حقيقة الإسلام والذب عن رسولنا الكريم بما نستطيع، وهناك فرص كبيرة لذلك، ومثل هذه الأحداث تفتح التساؤلات حول ما هية الإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام، والقرآن، ومما شاهدت وعايشت أنهم شعب يتقبل التوضيح، ويجهل الكثير الكثير عن الإسلام.. بل إني احتاج أحياناً لشرح ماهو القرآن، فبعضهم لا يعلم أن القرآن هو الكتاب المقدس للمسلمين، ولديهم وسائل إعلام مؤثرة تقتات على تشويه صورة الإسلام وربطه بالإرهاب!

السبت، 28 يوليو 2012

على بابها نُكئت جروحي!

هناك لحظات تضيق بك الدنيا بما رحبت، لم يكن خبر وفاتها صاعقاً لي.. فهي كانت مريضة، وقضت آخر شهرين في المستشفى، معظمها في العناية المركزة. كانت أخبارها تأتيني وأنا هناك.. في أمريكا!
لم أكن أثق بما ينقل لي، ولكني لسبب لا أعلمه كنت أحضر نفسي لذلك الخبر، أبكاني كثيراً التفكير في لحظة تلقي الخبر.. تلقيت الخبر لاحقاً، لم أبكي، أكثرت من الحوقلة، ولكني انفجرت لاحقاً!
شيء في داخلي كان سعيداً لها، فهي العابدة الطاهرة، وهي من أتعبها المرض، وهي من اشتاق للقاء أحبابها الذين سبقوها، سعدت لراحتها، قالت قبل شهرين من وفاتها حينما استيقظت فجأة من النوم تصرخ مقسمةً لمن حولها أنها رأت منزلها في الجنة، فلاتحزنوا!
كل من بكى عليها كان لمرارة فراقها فقط، فهي لم تكن إمرأة عادية أبداً، وما يهون المصاب هو ثقتنا الكبيرة بالله عز وجل أنه لايضيع عمل عامل منا، والأهم أنها كانت تشتاق للقاء بارئها.
رافقتني ذكراها في كل مكان، حتى في أمتع اللحظات كنت أتذكرها لاشعورياً، كنت أتمنى أن يعود الزمن فتعود لقاءتنا الماتعة، وأقص عليها قصصي البطيئة في السرد، فتستبق الأحداث، وتحاول أن تعلم النهاية، فأخبرها بأني سأعيد القصة من الأول إن قاطعتني، فتضحك حتى تدمع عيناها.
لا أعلم إن كنت محظوظاً أم لا حينما توفيت وأنا بعيدٌ عنها، كنت أتمنى أن أودعها، أقبل جبينها واحضنها، ولكني لا أعلم ماذا سيكون حالي لو كنت موجوداً! والحمد لله على كل حال.
عدت في زيارةٍ رمضانية، ولكن جدتي ليست هناك، وأهم طقوسي في زيارتها اليومية إنتهت، كان يشغلني سؤال منذ أن قررنا العودة للمملكة، ماذا سأفعل بعد صلاة التروايح؟! أحزنني عدم إتصالي عليها لأخبرها بأننا وصلنا بالسلامة، وأسمع صوتها المرحب وقد اختلط ببكاء فرح مع كمية غير محدودة من الأدعية.
زرت قبرها بعد تردد، أرشدني موظفوا المقبرة لقبرها، جلست عنده، وضعت يدي عليه وكأني أضعها على جسدها، سلمت عليها، وأخبرتها بحضوري، أخبرتها أن طفلي بدأ يحبو، وأجتمع مؤخراً مع ابناء أحفادها الصغار، لعبوا وفرحوا، أعتذرت منها أني لم أكن هنا لوداعها، أخبرتها أننا سنجتمع في الجنة بإذن الله، وسنعيد الأيام الخوالي. سأزور معك ياحلوتي قصر جدي أبو خالد، وقصر أخيك حسن، ذلك الرجل الذي لم أقابله في حياتي، ولكني مدين له، فهو من كفلك صغيرة بعد وفاة والدك- رحمكم الله جميعاً-، وهو الذي كان حاضراً حينما صعقتك إبنته ببراءة الطفولة بأنك لست ابنةً لحسن، وأنه أبوها هي فقط، حينها تناثرت دموعك وضاقت بك الدنيا بما رحبت، وانت تصرخين بل هو أبي.. إذاً أين هو أبي؟ فضمك حسن بحنان وقال يا هيا أنت أفضل منها، فأنا أبوك وأخوك وصديقك، حينها كفكف دموعك وتركك في وسط ابتسامة كبيرة رُسمت على ثغرك. نعم سنزوره، ونزور والدتك التي أطربتني بقصائدٍ حفظتها منها.. سنزور كل من تحبين، فأنا بكل تأكيد أحبهم لحبي لك.. يا حلوتي لا نعلم ما هي الأقدار، ولكن الدنيا لقاء وفراق، وأنتِ خلدتي ذكركِ.
أتذكرين يا حبيبتي حينما أخبرتك بأني سأغادر للبعثة؟ حينها سبقت دموعي كلماتي، وأنتي أيتها الحنونة تصنعتي الهدوء وابتسمتي، وشحتي ببصرك بعيداً عني لكي لاتزيدي الأسى، قلتِ لي ستمر سريعة بإذن الله، وتعود لنا. إن ما يهون علي حقاً أنك شرّفتي طفلي بإحتضانه، لن أنسى يا غاليتي حينما اتصلتِ علي ولم تمض بضع دقائق على ولادة عبدالله، سمعتي بكاءه فأختنقت حروفك، وبكيتِ فرحاً وكأن هذا بكرك الذي رزقتِ به بعد طول إنتظار.. أي قلب أنتِ، وأي محظوظ أنا.
غادرت قبرها، وحسبت أن أصعب اللحظات مضت، ولكني كنت مخطأ!
كان يجب أن أكسر شيءً في خاطري، وأن أزور بيتها، ملتقانا الدائم، سلكت الطريق الذي أحفظه عن ظهر غيب، سلكته وقلبي ينبض بسرعة، مشاعر مختلطة، ولكن النتيجة الأكيدة أني لن أجدها على الموعد كما هي العادة!
أصعب اللحظات كانت حينما دخلت من الباب، رأيتها وكأنها أمامي، هي بشحمها ولحمها، رأيت ابتسامتها لي، ولهفتها للقاءنا، رأيتها على كرسيها وأنا أدفعها حول النخيل، النخيل التي كانت دائماً تخبرني أنواعها، وأصبحت أعرفها نخلةً نخلة، ولكني كنت دائماً أسئلها عن أنواعها لأنها تفرح بشرح ذلك لي، هناك نخلات تحبها، وآخرى تعتب عليها لرداءة إنتاجها.. رأيتها وقد كانت جميعها مثمرة، تمنيتها في تلك اللحظة لكي تفرح وهي تخبرني بأن إنتاج هذه العام وفير.. مضى أمامي شريط الذكريات سريعاً.. اعتصر قلبي أني لا أجدها، طفل في داخلي كان يدعو الله ببراءة أن يعيدها لو قليلاً حتى نتحدث قليلاً ونضحك كثيراً.
رحم الله جدتي هيا بنت عبدالله النعيم واسكنها فسيح جناته.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.