الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

حينما يقف الأستاذ الأمريكي مع الإسلام


أحد أساتذتي في الجامعة كان يعمل لبضع سنوات في المغرب، ثم تنقل بين مجموعة من الدول الافريقية الفقيرة، لديه خلفية عن الإسلام ويعلم (من خلال ما عرفه عن الإسلام) أن ما يرتكب من جرائم بإسم الإسلام لا تمت له بصلة، وأولها حادثة 11 سبتمبر. الرجل متفرغ لمدة سنة لتآليف كتاب، لذلك لم أره هذا الفصل الدراسي حتى اجتمعت به بالأمس في حفلة سنوية يقيمها رئيس قسم العلوم السياسية في منزله، تجمع الأساتذة وطلاب الدراسات العليا، وموظفي القسم، رحب بي كثيراً، وتغزل طويلاً بالتمر الذي احضرته للحفلة، وقال لي هل قرأت مقالي في الصحيفة عن زيارتي للمسجد الذي يقع في مدينة تبعد عنا حوالي 40 دقيقة؟ قلت لا، ولكن لماذا تبدأ بالبعيد وأنت لم تزر مسجدنا القريب جداً من الجامعة، قال لم تصلني دعوة، أهل ذلك المسجد قدموا لي دعوة للحضور، فلبيتها.
عدت للمنزل لأبحث عن مقاله الذي احتوى على أنه وحوالي عشرة أشخاصٍ معه زاروا ذلك المسجد بدعوة من أهله، وذلك مباشرة بعد الاحتجاجات الكبيرة على الفلم المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام، وماصاحبها من مقتل السفير الأمريكي في ليبيا. حضر الضيوف صلاة الجمعة، واستمعوا للخطبة التي تحدثت عن الفلم المسيء، وموقفنا كمسلمين منه، وماذا يمثل لنا جناب الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. أعقبها حفل غداء للوفد، تبادلوا فيه النقاشات وطرحوا استفساراتهم على المسلمين، وسمعوا الإجابات منهم مباشرة. لقد خرج استاذي وأصحابه بإنطباع جميل عن الإسلام والمسلمين، وكان مقاله إضاءه لغير المسلمين بحقيقة الإسلام، حتى أنه ضمّن مقاله بشرح عن الإسلام، وهذا ما يحتاجه فعلاً الأمريكان، معرفة حقيقة الإسلام بعيداً عن التحريض الإعلامي الذي يمارس في كثير من وسائل الإعلام، ولعلي أقول أني لاحظت هذا التحريض في ولايتي الحالية (المسيسيبي) أكثر من ولايتي السابقة (منيسوتا)، ومقال من استاذ مهم في العلوم السياسية في صحيفة المدينة، وعلى أقل تقدير نضمن أن معظم أساتذة الجامعة والمثقفين سيقرأونه، وهذه هي الفئة المؤثرة، فهم من يُدرس الطلاب، وهم من يؤلف الكتب، وهم من يخرجوا في وسائل الإعلام المختلفة، وتبيان الحقيقة لهم هو أمر بالغ الأهمية، وقد رأيت في الحفلة كثير من الحضور يباركون للدكتور مقاله الجميل.
أعجبني جداً ماقام به الإخوة المسلمون في المدينة المجاورة من استغلال الفرصة ودعوة هذا الوفد من الأساتذة، والذي لقي قبول منهم وترحيب، وأول نتائجه هذا المقال المنصف. في أمريكا آلاف المساجد، ودورنا كمسلمين هو تعريف غير المسلمين بحقيقة ديننا، ليس شرطاً أن يسلم، ولكن مجرد معرفته بحقيقة الإسلام ستجعله بصف المدافعين عنه في كل المحافل التي يشارك بها. ماذا لو قمنا نحن المبتعثين بدعوة أساتذتنا لحضور خطبة الجمعة، وتعريفهم بالمجتمع المسلم الموجود، سنجد من يودون ذلك بالتأكيد ولكن لم تتح له الفرصة، خصوصاً إن علمنا أن الأمريكان بشكل عام يتلهفون للتعرف على الثقافات الأخرى، والإسلام الآن حديث الساعة، وهو موضوع مشوق جداً، فلنستغل الفرصة لدعوتهم لزيارة المساجد. حقيقةً ندمت كثيراً لأني لم أبادر بدعوة أستاذي للمسجد بشكل رسمي، رغم أني قلت له سابقاً في أكثر من مناسبة أننا نتمنى زيارتك لنا في المسجد، ولكن ربما أخذها كدعوة مجاملة لا أكثر. وقد أرسلت له إيميل أشكره على مقاله المنصف، وأقدم له دعوة رسمية بزيارتنا في صلاة الجمعة القادمة.
وهنا مقالة لمن أراد الإطلاع:
http://www.hattiesburgamerican.com/apps/pbcs.dll/article?AID=2012209220306

الاثنين، 17 سبتمبر 2012

محاضرتي والفيلم المسيء


بدأت محاضرتي، والتي كانت بعد يومٍ واحدٍ من مقتل السفير الأمريكي في ليبيا، بمناقشة ذلك الحدث، مادتنا بالأصل عن الرئاسة الأمريكية، ومحور النقاش كان عن تأثير ذلك الحدث على حظوظ مرشحي الرئاسة في الإنتخابات الأمريكية القادمة، ولكن الحديث بالتأكيد تشعب ليغطي كل الجوانب، فضلت أولاً سماع وجهات نظر زملائي الطلاب، والتي كانت في مجملها متزنه، ثم تحدثوا عن الفيلم المسيء والذي كان سبباً في كل ذلك، سأل الدكتور عن فحوى الفيلم فهو لم يشاهده، ووصفه بعض من من شاهده بأنه فيلم سخيف وبدائي، ويحاول تصوير الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بأبشع الصفات، لفت نظري وأعجبني أن الطلاب استخدموا لفظ "النبي محمد" وليس فقط "محمد" حين ذِكرهم له صلى الله عليه وسلم، لا أعلم هل هي مجاملة لي، أم أنهم كانوا سيقولونها كذلك حتى لو لم أكن موجوداً، لم يكن الجميع قد شاهدوا الفيلم، لذلك طلب بعضهم من الدكتور أن يشاهدوه ليحكموا بأنفسهم، بدأ الدكتور يبحث عن الفيلم في اليوتيوب ووجده، حينها أردت تسجيل موقف، واستأذنت في الخروج لأني لااستطيع مشاهدة هذا الفيلم الذي ينتقص من نبينا الكريم، قال لي الدكتور أنه يتفهم تماماً موقفي، وقد بدت عليه علامات الإرتباك والتردد في عرضه، عموماً غادرت القاعة، وما هي إلا دقيقة وأجده يدعوني للدخول لأنه ألغى فكرة عرضه بعد أن شاهد أولى الثواني، وقال هذا فيلم وقح لا يمكن أن أعرضه في محاضرتي. منذ اللحظة الأولى لدخولي القاعة وأنا أحس أن الجميع ينتظر تعليقي، فأنا المسلم الوحيد في القاعة، وخروجي بسبب عرض الفيلم أثار مزيد من الإهتمام بالموضوع، حينها طلبت التعليق وأخبرتهم أولاً أن الإسلام يدين العنف بجميع أشكاله، ولم يكن يوماً الإسلام دين عنف، ولكنه دين سلامٍ واحترام، وأكدت لهم أن عقلاء المسلمين يرفضون ما حدث من عنف في ليبيا أدى لمقتل السفير هناك، ثم أننا حتى الآن لانعلم من قام بهذا العمل، والتحقيقات مازالت جاريه، وقد يكون الحادث كله مدبراً من جهات تحاول إسقاط النظام الجديد في ليبيا وزعزعة استقرارها، أو الإنتقام من الولايات المتحدة. ثم إنه لم يعد من المنطق أو العقل أن يقال أن هذه الإساءات المتتالية للإسلام تدخل ضمن حرية التعبير عن الرأي! تتوقف حريتك حينما تؤذي مشاعر الغير، هل يعقل أن 1.5 مليار مسلم تؤذى مشاعرهم تحت مبدأ حرية الرأي! ثم كيف يعتبر التشكيك "مجرد التشكيك" في الهولكوست (محرقة اليهود التي تمت على يد هتلر) جريمة يعاقب عليها القانون، بينما يهان دينٌ كاملٌ من خلال التعرض لنبيه أو كتابه، ويسمى ذلك حرية رأي! إن هذا هو منبع الإرهاب حقاً، ومع تزايد هذه الأحداث سيكون هناك ردود فعل عنيفة، وسيزيد الإحتقان ضد الغرب وأمريكا تحديداً، فالوقت قد حان لأن يصبح التعرض للأديان والأنبياء جريمة يعاقب عليها القانون، وفي نهاية المحاضرة تقدم الدكتور لي بإعتذار شديد، وقال ماكان يجب أن أفكر مجرد تفكير بعرض الفيلم دون مشاهدته أولاً.
الذهنية الغربية عموماً لا تستطيع أن تستوعب ردود الأفعال هذه، فبمجرد أن يتم التعرض لنبينا الكريم ينتفض العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه من أجل رجلٍ توفي من 14 قرناً! هم يقيسونها على أنفسهم، فعيسى عليه السلام يصور كل يوم في مسلسلاتهم الكوميدية بأشكال وصور لا تليق البته، ومع ذلك لايغضب أحد، علماً أنه عليه السلام بالنسبة لهم هو إله وليس فقط نبي!
بقي أن أقول أن دورنا كمبتعثين تحديداً هو توضح حقيقة الإسلام والذب عن رسولنا الكريم بما نستطيع، وهناك فرص كبيرة لذلك، ومثل هذه الأحداث تفتح التساؤلات حول ما هية الإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام، والقرآن، ومما شاهدت وعايشت أنهم شعب يتقبل التوضيح، ويجهل الكثير الكثير عن الإسلام.. بل إني احتاج أحياناً لشرح ماهو القرآن، فبعضهم لا يعلم أن القرآن هو الكتاب المقدس للمسلمين، ولديهم وسائل إعلام مؤثرة تقتات على تشويه صورة الإسلام وربطه بالإرهاب!