الجمعة، 7 ديسمبر 2012

في الغربة أعدت اكتشاف الإسلام!


في الغربة فرصة عظيمة لتكتشف أن هناك من يفقه في الدين غير السعوديون. أعتقد أن كثير من الطلبة السعوديون في الخارج أحسوا بنفس الشعور. أتذكر في أول صلاة عيد لي في الولايات المتحدة كان الخطيب صومالي، متخرج من الأزهر، خطب خطبةً واحدة  وليس اثنتين كما تعودت أن أصليها طوال عمري في المملكة. سلمت عليه بعد الصلاة، وباركت له بالعيد، وأردت أن أنبهه "لخطأه" بأدب، وقلت له يبدو أنك يا شيخنا مستعجل اليوم ونسيت الخطبة الثانية. تبسم وقال أنتم في السعودية تصلونها خطبتين، ولكن ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلاها بخطبة وبخطبتين. للأمانة كانت الحادثة مفصلية، كأني استيقضت من النوم لأعرف أن ما تعلمناه ومارسناه طيلة حياتنا لا يعني أنه لايوجد مذاهب أخرى، وآراء أخرى صحيحه. مازلت أرى بعض الطلبة الجدد يصفون أي اختلاف يرونه في الصلاة أو الدعاء بالبدعة، وهي ما يأتي على البال مباشرة. فمثلاً الشافعيه يضيفون في تسليمتهم من الصلاة لفظ "وبركاته" على "السلام عليكم ورحمة الله". الحقيقة أنك في الغربة في مدرسة مفتوحة تتعلم فيها طرق مختلفة لممارسة الشعائر الإسلامية، وهذا لايعني أنه ليس هناك ممارسات خاطئة فعلاً تكون بجهل، مثل من يتحدثون خلال خطبة الجمعة. الأهم في رأيي أن نستفسر من أي تصرف لا نعرفه، فلربما كان لهذا الفعل أصل نحن نجهله، وإذا لم يكن فهنا من واجبنا أن ننصح، وحتى النصيحة يجب أن تكون بأسلوب مهذب وغير مباشر، خصوصاً أني لاحظت بعض الحساسية من السعوديين، فهم لايحبون فكرة أن السعوديين هم أعلم الناس بالدين.
ولكن الأهم في الحقيقة أنك في الغربة تستشعر دور المسجد الذي كان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام. ذلك المسجد لم يكن فقط للصلاة، ولكن كان لإجتماع المسلمين ومناقشاتهم واحتفالاتهم، وكانت أيضاً تقام فيه الدروس. وهذا وضع المسجد هنا في الولايات المتحدة. أنه المكان الذي يجمعنا، ففي مسجدنا على سبيل المثال، في نهاية الإسبوع دروس للأطفال عن الإسلام واللغة العربية. ويوم الإربعاء درسٌ في اللغة العربية للكبار، كما كان لدينا درس إسبوعي في التجويد. عندما ترى تعطش الإخوة المسلمون من غير العرب لتعلم اللغة العربية من أجل التلذذ في قراءة القرآن وفهمه تعيد النظر ألف مرة في إيمانك. في الغربة تضع إيمانك على المحك، وفي اختبارٍ دائم حيث كل الملهيات المحرمة حولك ومتاحة. ولكن حينما يقصون عليك حلاوة الإيمان التي ذاقوها مقارنة بحياتهم قبل الإسلام تعرف نعمة الله عليك أن جعلك مسلماً، وأنه لم يفتك شيء في حياتهم، فهم جربوا كل ملاهي الدنيا، وفعلوا من الموبقات ما لا يعلمها إلا الله، ومع ذلك لم يجدوا السعادة، وهربوا من تلك الحياة إلى الإسلام.  أتذكر أني سألت أحد الإخوة الأمريكان عن سبب إصراره الدائم على لبس الطاقية والملابس الفضفاضه "جلباب". فقال أعلم أنها ليست عقيدة أو جزء من الدين، وأعلم أني استطيع أن أصلي دون لبسها، ولكني ألبسها في كل مكان لكي يعرف الناس أني مسلم، أريد أن أمشي في الشارع ويعرف كل من يراني أني مسلم، مؤكداً أني لا أستطيع استيعاب مدى افتقادهم للهوية الإسلامية، وفخرهم الكبير بإنتمائهم لهذا الدين العظيم. كما أنه يتحسر على شباب المسلمين الذين يستميتون للتشبه بغير المسلمين.
حينما تتسنى لك الفرصة للدخول في نقاشات عن الإسلام لشرحه وتوضيح المفاهيم الخاطئة عنه مع غير المسلمين تحس بسعادة أنك ساهمت في الدفاع عن الإسلام وأوضحت لهم الخطأ. وإذا أسلم أحدهم على يديك، فهذا خيرٌ لك من حُمر النعم. الفكرة النمطية لدينا أن الدعوة للمشائخ، ولكن في الغربة تكتشف نفسك من جديد، تعرف أن مسئوليتك أن تقدم الإسلام بسماحته ورقي معانيه بالشكل الذي يليق بهذا الدين العظيم. وبسبب الأسئلة المتكررة التي تأتي عن الإسلام فإنك تبحث عن إجابات لها حتى ترد على من يسألك، وهذا بحد ذاته تثقيف جديد لك في دينك. فمن أكثر الأسئلة التي تأتيني عن وضع المرأة وحجابها، وتعدد الزوجات والعلاقات بين الجنسين قبل الزواج، وشرب الخمر والجهاد. وأجد أنه من واجبنا أن نلم بهذه المواضيع حتى نكون مستعدين للرد. أتذكر أن أحد جيراني، الذي توطدت علاقتي معه، سألني بعد تردد طويل عن صحة ما يسمعه في التلفزيون من أن المسلم إذا قتل غير مسلم فإنه يدخل الجنة مباشرة ويحصل على حوريتان. قلت له إذا كان هذا صحيحاً فلماذا لم أقتلك حتى الآن؟! ثم قلت له لن أجيبك بكلام إنشائي، ولكني سأحيلك للقرآن، وشرحت له معنى الآية الكريمة (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) وفي هذه الآية لم يحدد الله عز وجل الديانة، قال "نفساً".
دمتم بخير.،،،