الأربعاء، 6 فبراير 2013

عاطفتنا تبعدنا عن الإنصاف: عبدالله فندي الشمري مثالاً!

قضية "أقدم سجين سعودي" عبدالله الشمري اثارت الرأي العام بشكل عجيب، كنت أتابع ولا أكاد أصدق هذا التعاطف اللامحدود مع القاتل، وهذه القسوة مع أهل القتيل، حتى أن نائب أمير حائل تبرع بمنزل لأهل الشمري وفاعل خير لم يذكر اسمه تبرع بمليون ريال! بينما أهل القتيل عليهم دعوات السخط!

هل انقلبت الموازين فجأة؟!
مع كثرة القصص التي تداولها الناس من خلال مواقع التواصل الإجتماعي حول حقيقة هذه القضية اختلط الحابل بالنابل، ولكن الأكيد، وحسب حديث الشيخ علي المالكي وهو متابع للقضية وحاول التدخل مراراً لكي يتنازل أهل القتيل، أن ٧٥ قاضياً صادقوا على الحكم، وأن خادم الحرمين الشريفين أمر بإعادة الحقيق في القضية وإحالتها للمحكمة العليا التي صادقت أيضاً على حكم القصاص، كما أن عبدالله الشمري تم أخذه لساحة القصاص ١٦ مرة، وبسبب الشفاعات من الأمراء والوجهاء، او لنقل "الواسطات" تم تأجيل تنفيذ الحكم!
يتسائل البعض وهل قتل الشمري بعد ٣٢ عاما على الجريمة سيعيد القتيل للحياة، والواقع أنه لم تم قتله بعد ساعة واحدة من الجريمة فإن ذلك لن يعيد القتيل للحياة، ولكن هذا شرع الله. لقد تناسى البعض في غمرة العاطفة أن القتل جريمة نكراء يهتز لها عرش الرحمن، وتناسوا أن العدل والإنصاف أولى من العواطف.
لماذا لا نسمع السؤال الأهم والمنطقي، لماذا بقي كل هذه المدة دون تنفيذ الحكم فيه؟
بأي شرع وأي دين يحرم أهل الدم من حقهم بسبب وجاهات وواسطات؟
هل نتخيل حجم مشاعر الألم في نفوس أهل القتيل وهم يرون قاتل ابنهم يُخرج به ١٦ مرة ثم يعاد دون تنازل منهم! أليست إحدى الغايات من قتل القاتل أن تهدء نفوس أهل القتيل بدلاً من تنامي شعور الغضب والرغبة بالإنتقام؟
لقد وصلت الصفاقة ببعض الناس أن دعوا بل وشتموا أهل القتيل على "قسوة" قلوبهم، تداولوا صوراً لإبنة الشمري مذيلة بأن هذه الفتاة الصغيرة ستصبح يتمية بعد ساعات، تناسوا أن الطرف الآخر "المظلوم" لديهم صور لمعاناة ودموع وقهر استمر كل هذه السنوات.
ما حدث حقيقةً في هذه القضية مخجل ومؤلم، لقد تم تعذيب أهل القتيل طوال هذه المدة وزادوا ألمهم ألم، كما تم التدخل دون وجه حق في تأجيل حكم قضائي نافذ، وحتى الشمري نفسه تم قتله أكثر من ١٦ مرة حينما يُخرج به لساحة القصاص ثم يعاد.
مجتمعنا يحتاج أن يستيقض من سباته وينظر للأمور بعقلانية تغلب على العواطف، شبه يومياً نشاهد المناشدات التي تطوف أرجاء الصحف ومواقع التواصل الإجتماعي لجمع الملايين لعتق رقبة فلان وعلان. بعاطفتنا جعلناها تجارة، بينما الأصل إما أن يتم العفو والصلح من أهل القتيل لوجه الله دون مقابل، أو أن يأخذوا الدية الشرعية، أما أن تصل هذه المبالغ لملايين، فقد تحولت لتجارة! والأنباء الآن تتواتر عن وجود سماسرة وخبراء في هذا المجال، يذهبون لأهل القتيل ويديرون لهم المفاوضات على مبلغ التنازل بمقابل يحصلون عليه، وفي المقابل أهل القاتل يتصدر منهم شخص يجمع الملايين ويحث الناس على التبرع، وله في النهاية مقابل، وكلما زاد المبلغ زادت الأرباح.
العفو والإصلاح فضيلة كبيرة عند رب العالمين، ولكن لنسأل أنفسنا بصدق وأمانة، هل هذا هو شرع الله الذي نعرف، أما هذا ما أوصلتنا له عواطفنا؟
رحم الله الرشيدي والشمري، وألهم ذويهما الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.