الجمعة، 18 يناير 2013

العبودية بشكلها الجديد.. الجيش الأمريكي كمثال!



عانت البشرية من العبودية لقرونٍ عديدة، وقد انتهت حقبة العبوديةِ رسمياً، وأصبحت مجرّمةٌ دولياً، ولكنها عادت بأشكالٍ مختلفة، وأصبحت أسوء حتى من العبودية التقليدية!

في مادة حقوق الإنسان كنا نتحدث عن قضايا إنتهاكات حقوق الإنسان، كان من ضمن المواضيع الهنود الحمر والسود في أمريكا، والمتاجرة بالبشر، وحروب الإبادات الجماعية، وحرب العراق. كل موضوع من هذه المواضيع ملف لا ينتهي من الإنتهاك والإجرام ضد البشرية.

كان نصيبي أن أقدم عرض حول حرب العراق، عرضت للقاعة فيلم وثائقي قصير عن إنتهاكات سجن أبوغريب الشهيرة، كانت المناظر مقززة، والتأثر بادي على جميع الحضور. لم أرغب بالتركيز على هذه القضية تحديداً، ولكني سقتها كمثال لما يجري هناك، وكانت نقطتي الرئيسية للحديث عن الجندي عموماً، والجندي الأمريكي في العراق خصوصاً. هذه الجرائم نفذها جنود، الإبادات الجماعية نفذها جنود، والقتل والتعذيب والإغتصاب نفذها جنود! من هؤلاء الجنود؟ أليسوا بشراً مثلنا؟ أليس لهم عوائل وأطفال؟ ألم يدرسوا معنا وينشؤ مثلنا؟ إذاً لماذا يفعلون ذلك بينما نحن نتقزز ونرغب بالبكاء من هذه المناظر المريعة؟!

خلصت إلى نتيجة أن الجندي يعطي لنفسه العذر بأنه يتبع الأوامر، لا يهم ما هي الأوامر وهل هي انتهاك للإنسان وضد مبادئه أم لا، المهم أنه ينفذ الأوامر للنجاة من العقاب الذي قد يلحق به وهو ما يساهم في زيادة هذه الإنتهاكات. كان لدينا طالبة سوداء في القاعة تعمل جندية في الجيش الأمريكي، وقد قالت أن تنفيذ الأوامر واجب، وبما أننا وقعنا على استمارة الإلتحاق بالجيش، فهذا يعني أننا تنازلنا عن حقنا في الرفض، ويجب أن ننفذ. قلت لها أنتي تقولين بإختصار أنك توقعين عقد عبوديتك بيدك. وهل تجدين مبرراً لنفسك أن تقتلي أو تعذبي أحداً لأنه أمر؟ قالت نعم. قلت لها إذا قال لك قائدك بأن تقتلي طفل عمره سنتان، هل تقتلينه؟ قالت دون تردد أنها ستفعل! ردها كان صاعقاً للجميع، وربما الغرابة أنها صرحت بذلك ولم تبالي بأحد، ولكنه في النهاية واقع، وهو ما يفسر ما نراه من إجرام الجيش الأمريكي في العراق وافغانستان، وفي سيء الذكر معتقل جونتنامو. أنهم يدربونهم على الطاعة العمياء، على عدم التفكير والتنفيذ فقط، هذا بالإضافة إلى رفض الحكومة الأمريكي حتى اليوم الإنضمام إلى أي جهة دولية قد تلاحق مواطنيها بتهم إنتهاكات أو جرائم حرب، وأحد أشهرها المحكمة الجنائية الدولية.

كل هذا تم في مادة حقوق الإنسان، ولا أعلم حقيقةً لماذا تدرس هذه المادة، ولكني ذكرتها أننا حينما كنا قبل أيام نتناقش ونشاهد ما كان يعانيه السود في أمريكا من انتهاكات وفصل عنصري وقتل حتى بعد إنتهاء العبودية رسمياً في أمريكا، كنتي متأثرة للغاية، وتلومين الرجل الأبيض على ما تم، ولكني أود تذكيرك أن كثير من هذه الإنتهاكات تمت على يد الشرطة الأمريكية، وكان أفراد الشرطة ينفذون الأوامر حينها، فلماذا تلومينهم ولا تلومين نفسك حينما تقررين قتل طفل ليس بينك وبينه شيء لمجرد أن القائد أمرك بذلك. اكتفت بالقول أن هذا يختلف عن ذاك. هنا تدخل جندي آخر ولكنه يبلغ من العمر 52 عاماً، قال أنه قضى عمره في الجيش وذهب للعراق وأفغانستان، وكان عبداً بكل ما تعنيه الكلمة للأوامر، وهو يعاني منذ سنوات من إضطرابات، ويعيش على المهدئات، فهو لا يستطيع النوم بدونها، ولا يستطيع حتى أن يقود سيارته أو يتحدث لنا الآن بهذا الهدوء من دونها، ويعتقد أنها ستلازمه العمر كله. قال أنه لاشك لديه البته أن من قاموا بعمليات التعذيب في سجن أبوغريب تلقوا أوامر من قيادتهم. كان لديه الكثير، ويرغب بالحديث، ولكنه فجأه توقف، وقال لا استطيع أن أكمل، فلربما أقع في مشاكل.

أخبرتهم لاحقاً أن مبدأ تنفيذ الأوامر لا يعفيك حتى من المسئولية القانونية، والآن سجناء النظام السابق في مصر كان أهم تبريراتهم تنفيذ الأوامر، ولكن هذا لم يعفهم من العقاب، وضربت لهم مثلاً بالجيش المصري الذي رفض تنفيذ الأوامر وقرر أن يكون على الحياد، وهو بذلك ساهم وبشكل مباشر في الحفاظ على أرواح مواطنيه، وفي المقابل الجيش السوري اختار العبودية ونفذ الأوامر فسفك الدماء وعاث في الأرض فساداً.

في الواقع أن العبودية لها أشكال لا تنتهي وليست مقصورة على المؤسسة العسكرية. تلفت حولك لتنظر لعبيد السلطة وعبيد المال، للمطبلين الذين يجعلون الحق باطلاً والباطل حقاً ليرضى السيد غير مكترثين بأي رادع.

دمتم أحراراً.