الثلاثاء، 2 يونيو 2015

تفجيري القديح ومسجد العنود، إخفاق إعلامي آخر!

تختلق الحكومات أحياناً حرباً من نوعٍ ما لتجمع حولها الشعب، ولتستغل الخوف في خلق اصطفاف شعبي خلفها، مثلما فعلت حكومة جورج بوش الابن، وبررت بذلك دخولها لحربين في أفغانستان والعراق، ولكن المستغرب اليوم في المملكة، وفي ظل وجود عدو واحد مشترك وظاهر، قَتَلَ السُني قبل الشيعي، ولم يكن للطائفية أي دور في هذه الاغتيالات أو التفجيرات، والهدف الواضح والصريح هو زعزعة استقرار الوطن، وخلق مشكلة طائفية، وتفريق للصف بهدف الوصول للسلطة، لكن التعاطي الإعلامي الضعيف مع هذه الأزمة لم يجعلنا نستفد من هذه الأحداث في خلق اصطفاف شعبي، ولكن تعالت دعوات من هنا وهناك لنبذ الطائفية، وكأن الخطر الذي يتهددنا داخلي وليس عدواً خارجياً مشتركاً يتمثل في تنظيم "داعش الإرهابي، وهذه للأسف هي اللغة التي تتصدر اليوم الفضائيات السعودية، الرسمية منها وغير الرسمية، بالإضافة للصحافة، بل وحتى على مستوى المثقفين في وسائل التواصل الاجتماعي، وللأسف أن قناة العربية قد طرحت وبكثافة فكرة إنشاء قانون لتجريم الطائفية بعد تفجير القديح، وفي إشارة واضحة بأن تلك التفجيرات نتيجة للطائفية، واستعرضت في أحد برامجها بعضاً مما قاله أحد المتشددين على قناة "وصال" ضد الشيعة، وهذه القناة يصل صداها لكل العالم العربي، وتحظى بمتابعة كبيرة، ونحن نُسّوق للعالم العربي أننا شعب منقسم، وأن تلك الأعمال الإرهابية هي نتيجة للطائفية وليست لإجرام "داعش" واستهدافها لبلاد الحرمين، بينما لو توجه الخطاب وبشكل مباشر إلى أن العدو خارجي ويجب الاصطفاف ضده دون الدخول في الأمور الطائفية التي ترسخ فكرة وجود الطائفية، لخلقنا الاصطفاف الشعبي المطلوب، وساهمنا حتى في علاج قضية الطائفية من خلال خلق قضية مشتركة بين كافة أطياف الشعب وتوجيه الأنظار إلى عدوٍ مشترك، ولعل من المناسب من القائمين على الإعلام والمثقفين المهتمين بمستقبل هذا الوطن التركيز على فكرة أن العدو المشترك هو "داعش" دون الإشارة لا من قريب ولا من بعيد للبعد الطائفي للموضوع، وهذا بكل تأكيد ليس إنكارا لوجود الطائفية، ولكن هذا ليس وقتها ولا مكانها.

دمتم ودام وطننا بخيرٍ وسلام.

السبت، 29 يونيو 2013

دور العمل التطوعي في تحفيز الجهات الحكومية: سعوديون في أمريكا والملحقية الثقافية كمثال!

في مملكتنا الحبيبة دور الجهات التطوعية ضعيف جداً، وأحد أهم أسباب ذلك هو صعوبة تأسيسها لوجود أنظمة معقدة للسماح بمثل تلك الجهات بالعمل، والأصعب منه هو قيام النقابات بكافة أشكالها، والمتتبع للوضع في المملكة يدرك بما لا يدع مجال للشك أن لدينا قصور واضح في الأداء الحكومي لأسباب متعددة، ولكني أود هنا أن أركز على سبب مهم ومتجاهل تماماً هو غياب الجهات التطوعية التي تقوم بمساعدة الجهة الحكومية لتقديم الخدمات، وهو ما يخفف من حجم المشكلة، ودورها أيضاً في تحفيز تلك الجهة الحكومية لإصلاح أخطائها، بل وتقديم نموذج عمل من الممكن أن تستفيد منه تلك الجهات الحكومية. هناك استثناءات قليلة حيث يتواجد العمل التطوعي جنباً إلى جنب مع العمل الحكومي مثل المؤسسات والجمعيات الخيرية ودورها في رعاية الفقراء والأرامل والأيتام وهو ما يساعد وزارة الشؤون الإجتماعية في أداء عملها.
ولكي تتضح الصورة أكثر سأسوق هنا تجربة سعوديون في أمريكا مع الملحقية الثقافية السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية. ففي بداية برنامج خادم الحرمين الشريفين للإبتعاث الخارجي عام 2005 كان هناك مشكلة حقيقية وهي أن عدد موظفي الملحقية لا يوازي الزيادة الهائلة في أعداد المبتعثين ولذلك أصبح هناك خلل واضح في أداء الملحقية، ولكثير من الطلاب تجارب مريرة مرت بهم خلال فترة دراستهم، لكن مع الوقت زادت أعداد الموظفين وتحسنت الخدمات وأنشأت أخيراً وزارة التعليم العالي نظام البوابة الإلكترونية لتنقذ الموقف المتأزم، ولكن خلال تلك الفترة وتحديداً منذ عام 2008 خرجت سعوديون في أمريكا كمنظمة طلابية تطوعية تُعنى بمساعدة المبتعثين في الولايات المتحدة كمحاولة من مؤسسيها بأن لا يمر الطلاب الجدد بنفس معاناتهم هم. وقد كانت تجربة سعوديون في أمريكا مبهرة بحق وأكملوا عامهم الخامس وهم الآن أكبر منظمة طلابية سعودية وعدد متابعيها على كافة وسائل التواصل الاجتماعية تجاوز الـ 170 ألف، وموقعهم تتجاوز زياراته الشهرية الـ 100 ألف زائر. المهم الآن ما هو تأثير سعوديون في أمريكا على الملحقية؟
أصبحت سعوديون في أمريكا جهة "شبه" رقابية على عمل الملحقية، وجهة تستطيع توجيه انتقادات "ناعمة" لعمل الملحقية على الرغم من أن كافة اعضائها طلاب، وهم "تقنياً" تحت مظلة الملحقية كطلاب، وهو ما يعطي الملحقية الفرصة لمحاولة التأثير عليهم، لكن ورغم ذلك لم يثني ذلك القائمين على هذه المنظمة من أن يبذلوا جهدهم في خدمة الطلاب وإجابة الإستفسارات التي تدور في مخيلة أي طالب جديد سيذهب للمرة الأولى للولايات المتحدة، وتجهيز موقع متكامل فيه الكثير من الخدمات ومحركات البحث، ونشر شبكة مندوبين في أغلب المدن الأمريكية من الطلاب المتطوعين لمساعدة الطلبة الجدد. هذا النجاح بحد ذاته شكل ضغط على الملحقية حيث أصبح بعض الطلاب يصرّحون بأن عمل سعوديون في أمريكا أفضل من عمل الملحقية، وإذا واجهوا مشكلة فإنهم يتوجهون لها وليس للملحقية لطلب المساعدة.
وهذا النجاح حفز الملحقية لإصلاح أخطائها ومحاولة تقديم خدمات أفضل للطلاب، والواقع يفرض علينا الإنصاف وأن نقول أن عمل الملحقية الآن تحسن بشكل كبير، وهم يحاولون أن يتواصلوا مع الطلاب الآن كما تفعل سعوديون في أمريكا، حيث وجدت الملحقية نموذج ناجح أمامها فاستنسخته حرفياً من خلال صفحة لها على الفيسبوك وتويتر، بل حتى على الانستقرام وكيك، وأصبحت الملحقية تنشر أخبار الصحف الخاصة بالمبتعثين، وبدأت في تغطية أخبار الأندية الطلابية ونشاطاتهم، والأهم أنهم بدأو أخيراً في إجابة الطلبة على استفساراتهم. لم تستطع الملحقية في البداية من القيام بذلك لوحدها حتى في وجود النموذج الناجح أمامها، فاستقطبت عضوتين من أعضاء سعوديون في أمريكا لكي يساهمن في نقل التجربة واحترافية العمل.
واليوم سعوديون في أمريكا أطلقت مشروعها الضخم عن الجامعات الأمريكية والذي يسهل على الطالب التعرف بنفسه على كل التفاصيل حول الجامعة ومتطلباتها وحالتها إن كانت مغلقة أو مفتوحة، كما يتيح له التواصل مع إدارة القبول في تلك الجامعات مباشرة، وعمل مقارنة بين أكثر من جامعة. وأنا على ثقة أن مثل هذا العمل الجبار ستستنسخة الملحقية الثقافية مستقبلاً مثل سابقاتها، وسيكون الرابح الأكبر في ذلك هو الطالب.

أتمنى أن يتم تعميم ونشر فكرة سعوديون في أمريكا على كافة القطاعات الحكومية لتحفيزها، فمن يعملون في تلك المنظمات التطوعية أشخاص يحبون عملهم ولذلك سيبدعون ولو كان ذلك من غير مقابل مادي، فهدفهم الأجر والمثوبة من رب العالمين، كما أن هذه المنظمات أيضاً تُخرّج كفاءات تستطيع تلك الجهات الرقي بعملها من خلال استقطابهم.

الخميس، 6 يونيو 2013

العلاقات السعودية الإيرانية.. لنداوها بالتي كانت هي الداء..!


من يستحضر تاريخ العلاقات السعودية الإيرانية لن يجد إلا فترات قصيرة كانت العلاقات بينهما "مقبولة"، في المجمل كانت إيران عدوة تحت مسمى "شقيقة"، لكن الأهم أن المملكة وعلى كل ما قامت به إيران لم تتخذ أي خطوة حقيقة وملموسة ضدها!
إيران لم تنسى يوماً الدعم السعودي للعراق في حربها مع العراق والتي استمرت منذ عام 1980 حتى عام 1988م، وقد أثارت ولسنوات الفوضى في موسم الحج، أنشأت خلايا في شرق المملكة سُميت حزب الله السعودي، كانت خلف تفجيرات الخبر، لأكثر من مرة يتم القبض على خلايا تجسسية إيرانية في المملكة، تم الإعتداء على القنصلية السعودية في إيران، والتورط في التخطيط لعملية اغتيال السفير السعودي في واشنطن. بالتأكيد ان هذا غيض من فيض، ولكن السؤال وبعد كل هذا، ماذا فعلنا لمجابهة هذه العدوانية الإيرانية.
اسئلة كثيرة أطرحها ولا أجد لها جواب، هل ننتظر إيران حتى تعوث بنا فساداً لكي نرد عليهم! لست اتحدث هنا عن مواجهة عسكرية، فالجميع يعلم ان ميزان القوى في صالحهم، ولكني اتحدث عن حرب من نوع آخر، حرب من جنس العمل، فمثلما تفعل بنا نفعل بهم.
إن إيران بلدٌ سهلٌ اختراقه، فهو متعدد القوميات والديانات والمذاهب، يعاني فيه العرب في إقليم الأحواز، وهو إقليم كبيرٌ غنيٌ بالنفط، من عنصرية مقيته حرّمت عليهم حتى تسمية أبنائهم بأسماء عربية! ولدينا أيضاً سُنة إيران والذين يعانون الأمريّن من هذا النظام الطائفي، ولم يسمح لهم ببناء مسجد واحد للسنة في طهران بينما تعج بمعابد اليهود وكنائس المسيحيين، ثم لدينا الشباب الإيراني الغاضب من سياسات حكومته حيث يعيشون فقراً لا يليق بدولة نفطية كبرى مثل إيران، ويتطلعون لمزيد من الحريات حيث تخنقهم ديكتاتورية النظام وإن تلبّسَ بالديموقراطية، كما أن لدينا المهاجرون الإيرانييون وهم بالملايين، ويشتهر عنهم الثراء، فهل هناك أسهل من إختراق مثل هذا البلد وخلق الإضطرابات فيه؟
من جهة أخرى، فكرة أن الغرب عدوٌ لإيران لم تعد منطقية! ما فعلته الولايات المتحدة في دول أمريكا الجنوبية ومناطق كثيرة حول العالم من دعم لإنقلابات عسكرية وتهييج للشارع يؤكد أنها ليست بعاجزة عن فعل ذلك في إيران "لو أرادت" وإيران أسهل من غيرها. في تفجيرات الخبر عام 1996 ثبت لدى الحكومة الأمريكية أن إيران لها يد في تلك التفجيرات، وفقاً لمذكرات رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق "لويس فريد" والتي ذهب ضحيتها 19 جندي أمريكي، ومع ذلك لم تفعل أمريكا شيئاً تجاه ذلك، ولويس فريد في مذكراته يعبر عن غضبه من برود حكومته تجاه ذلك.
أخطاء الماضي من أسباب قوة إيران الحالية، وابتعادنا عن العراق جعلها تحت الإحتلال الإيراني، وهنا نعود لنفس السؤال، هل الولايات عدوة لإيران وهي تسلمها العراق وتسحب قواتها منها وتدعم حكومة موالية تماماً لإيران!
تحاول إيران وبشكل صريح أن تُشيّع من تستطيع لكي تنشئ أُمة شيعية تكون هي قائدتها، لقد كانت ومازالت تبذل وتنفق في مشارق الأرض ومغاربها لنشر المذهب الشيعي، حتى رأينا الأفارقة في أدغال أفريقيا يلطمون في الحسينيات، ولكن المهم ماذا قامت المملكة في المقابل، للأسف أننا تركنا لهم الساحة بعد أن كنا نتسيدها، بل أصبحنا نحاصر العمل الخيري في الخارج ونمنعه.
استحضر الماضي لكي أقول فضلاً لننقذ ما يمكن إنقاذه، ولنتجاهل الغرب في هذه القضية فهم لن ينفعوننا بشيء، لقد تكالبت علينا المصائب من كل جانب، ولو سقطت سوريا بقبضة إيران فهي الطامة الكبرى، وسيكتمل الهلال الشيعي ونحن ننظر ونشجب!
لندعم الأحوازيين وسنة إيران بل وشيعتهم، وكل من لديه نقمة على حكومته. لننشر القنوات الفضائية بالفارسية والعربية لنشر أباطيل معمميهم، ونقدم لهم الإسلام الصحيح، لنوصل بث هذه القنوات لإيران والعراق والخليج وبلاد الشام وبذلك نُبطل أهم أسلحتهم وهي العقيدة. وأخيراً لندعم الثورة السورية فإنها إن نجحت- بفضل الله- ثم بنا كسبنا على كافة المستويات وأهمها على المستوى الداخلي السعودي الذي سيكون ممنون جداً لقيادته على ذلك، وسيضعف ذلك إيران وحزبها، وستعود موازين القوى للتوازن ولو قليلاً.
هذه أُمنيات محب ومشفق على وطنه علّها تصل..!


السبت، 11 مايو 2013

تتقلب الفتاوى وتستمر الحياة!


* فضلاً قراءة المقال دون تشنجات أو أحكام مسبقة.

تجري الأيام بسرعة، ولا يسابقها هذه السرعة إلا الفتاوى وتقلبها. حينما تتأمل فتاوى التحريم التي لم تستند على أدلة واضحة، وكان أساسها ما "قد" تجر إليه من مفسدة لأدركت مباشرة سبب سقوط تلك الفتاوى بأيدي من أفتوا بها تحديداً.
إذا أردت أن تستعرض تلك التقلبات فيجب أن تعود إلى بداية قيام المملكة العربية السعودية حينما عارض بعض المشائخ السيارات لإعتبارات متعددة، كما عارضوا الراديو والدراجة وبالطبع التلفاز، ثم كان تعليم الفتيات لينتفض المجمتع "غيرة" على محارمهم من الدراسة في مدارس مفصولة. من أفتوا بتحريم تلك الأمور كانوا شيوخ لهم أسم ومكانه في ذلك الزمان. بالتأكيد سقطت كل تلك الفتاوى التي لم تكن تعتمد على قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما اجتهاد من أناس لم يكن لديهم الإدراك الكافي، ولكن كانوا يملكون من الجرأة أن يحرموا ما أحل الله. وغني عن القول أن كل الشعب بما فيهم المشائخ الذين حرموا استفادوا من كل أو بعض ما كان محرماً أعلاه.
القصة هنا لم تنتهي، والزمان يعيد نفسه مراراً وتكراراً بشكل غريب وكأن لا أحد يتعلم من الماضي. بدأت القنوات الفضائية وانتشرت الأطباق اللاقطة أو (الدشوش) فما كان من علماء ذلك العصر إلى التسابق لتحريمها بل وصل حال بعضهم وفي خطبة الجمعة بأن يصف من يركب تلك الأطباق في بيته بالديوث! خطابات متشنجه ودعوة لله كلها غلظة. ثم جاء بعد ذلك جوال الكاميرة والذي سبب ارتباك لدى البعض خوفاً من تصوير نسائهم، وكان القرار الأسهل لدى وزارة الداخلية "درء" للمفاسد أن منعت جوال الكاميرة. بالطبع أنه غني عن القول الآن أن كثير من كبار المشائخ يتصدرون الفضائيات بل وفي قنوات اشتهر عنها نشر الفساد، ويحملون جوالات حديثة فيها كميرات.
وهذا أيضاً يعيدني لفتاوى تحريم التصوير ثم بعد ذلك يكتشفون أن التصوير الذي نقوم به الآن ليس هو المُحرّم لأنه عبارة عن حبس الظل وليس محاولة لتقليد خلق الله مثله مثل المرآة. وجولة في تويتر تجد فيها صور كبار المشائخ الذين كانوا يحرمون التصوير يوما.
بعدها جائتنا طامة بطاقات الهوية الوطنية للمرأة، حيث غضب بعض العلماء لكشف ستر محارمنا، وبالرغم أن الفتيات صورهن في بطاقات الجامعة وفي الجوازات إلا أن بطاقة الهوية الوطنية كانت بنظرهم مختلفة، ولاحقا نجدهم لا يمانعون بها، وتستمر الحياة!
قضية قيادة المرأة للسيارة هي القديمة الجديدة والتي لم تنتهي بعد وستنتهي بنفس الأحداث أعلاه، واليوم لدينا مناقشات حادة حول إضافة حصص الرياضة لمدارس البنات، ويستمر الرفض لكل ما هو جديد وخصوصاً إذا كان يخص المرأة، والسبب ما قد يجر وراءه من مصائب.
الأكيد أن أحد أكبر مشاكلنا على الإطلاق هو الخوف من ما قد يأتي وراءه، وأعتقد أنها حيلة الضعفاء، فبدلاء من تحريم الدشوش لماذا لا يُحرم التلفاز نفسه وهو ما يعرض ما يحضره الدش أو تحريم الفديو؟! ألم يكن أولى من تلك الخطابات التنفيرية أن يتم التركيز على رفع الوازع الديني لدى المتلقي بدلاً من أسلوب التحريم الذي لا يجدي؟!
جوال الكميرة وجِدَ له حل بسيط بمنعه من دخول قاعات الزواج، ألم يكن هذا الحل البسيط أفضل من منع الجوال نفسه؟!
من يحرمون قيادة المرأة لماذا لا يناقشون أهمية إعادة تأهيل النظام المروري لقيادة المرأة بدلاً من الفوضى المرورية التي نعيشها اليوم بدون قيادتهن والذي سيحدث بالتأكيد مشاكل أكبر في حال قادنَّ.
من يتحدثون عن رياضة الفتيات لماذا لا يركزون جهدهم على إصلاح التعليم ككل وإقالة وزير التربية والتعليم الذي أثبت فشله في إدارة دفة التعليم بدلاً من تشتيت الجهود في الحديث عن قضايا جانبية لا تزيدنا إلا تفرقاً وتصب في مصلحة جهة واحدة فقط لا غير.
ألم يأن الآوان يا مجتمعنا الكريم أن نستفيد من الأحداث التي مررنا بها.

الأحد، 7 أبريل 2013

شاكر علي: اليتيم الذي صنع النجاح


في مؤتمر متجاوز الذي أقيم في الخامس من شهر أبريل ٢٠١٣ في مدينة الرياح، شيكاغو، كان هناك حوالي 12 مبدعاً سعودياً حكوا قصص نجاحهم والصعاب التي واجهوها، كان الهدف الرئيسي من المؤتمر نشر ثقافة الإنجاز والتحفيز من خلال إحضار نماذج منا وفينا، طلاب مثلنا ولكنهم تجاوزوا كل شيء، وخطوا خطوات مذهلة في مسيرة الإبداع، لكن قصة شاكر علي غير! كانت بحق الأميز على الإطلاق وبشهادة زملائه المتحدثين أنفسهم.
شاكر علي خرج أمام الناس ليروي لأول مرة قصة شاكر علي وقصة سعوديون في أمريكا، تلك المنظمة الطلابية العملاقة والتي تحتفل بمرور خمس سنوات على تأسيسها، حيث تجاوز مجموع عدد متابعيها على كافة وسائل التواصل الإجتماعي الـ ١٥٠ ألف متابع وعدد زوار موقعها يتجاوز المائة ألف شهرياً.
فاجأنا شاكر علي في بداية كلمته بأنه تقدم لخطبة ٢٥ فتاة وتم رفضه، وكان السبب هو الصاعقة، فهو بإختصار لقيط، لا أب له ولا أم، ولا أخ ولا أخت.
ولد شاكر في مدينة الطائف وتحديداً في هذا الشهر، أبريل، في عام ١٩٨٧م، ونشئ في دار للأيتام، وبعد أن كبر قليلاً كفلته السيدة ناجية عبداللطيف جميل والتي كانت ميسورة الحال وأدخلت شاكر في أغلى مدارس جده، مدارس دار الفكر، والتي كانت تضم أبناء الأمراء والوزارء ورجال الأعمال. يصف هو تلك التجربة بالمريرة، فهو لم يكن ينتمي أبداً لتلك البيئة، ولم يستطيع تكوين صداقات مع تلك الطبقة المخملية، وأحس نفسه دائماً مختلفاً عنهم، بل أقل منهم.
حينما  فجرها شاكر مدويهً للمرة الأولى أمام الجميع، كان في الواقع يقدم أكبر خدمة لنفسه بأن واجهّ أخيراً أكبر همّ أثقل كاهله وأقض مضجعه وحاول مراراً وتكراراً أن يهرب من هذه الحقيقة، كان يعيش قلقًا مستمراً من سؤال قد يطرحه عليه عليه أي شخص، من أهلك؟ وما هي قبيلتك؟ وما هو عمل والدك؟ دائماً ما حاول أن يهرب من الإعلام لأنه يخاف هذا السؤال، ولم يكن يريد أن يُذكّره أحد بهذا الموضوع، ليس فقط لأنه محرج، ولكنه سيعيده لدوامة الآلم التي عاشها، فأحد أهم أسباب ذهابه للبعثة هو هروب من واقع مؤلم عاشه هناك، فقد مورس ضده كل صنوف العنصرية، كان دائما مختلفاً وانطوائي، لم يتقبله أحدٌ لشخصه، إلا صديق واحد لم ينسى شاكر أن يذكره ويشكره أمام الناس. كما لم ينسى أن يشكر أمه التي كفلته وكان لها الفضل بعد الله في وصوله لأمريكا.
في أمريكا هرب شاكر من واقعه، أو هكذا ظن، درس اللغة ولكنه لم يحصل على قبول جامعي، فأوقفت الملحقية الصرف عليه لمدة ٦ أشهر عاش فيها حياة هي أقرب للمشردين.
حينما "هرب" لأمريكا كان يبحث عن نفسه، وأعتبر أمريكا هي نقطة الصفر بالنسبة له، فهو قبلها كان تحت الصفر ولم يكن شيئاً يُذكر، أكمل شاكر علي ٨ سنوات في أمريكا لم يزر المملكة فيها قط، لأنه بإختصار ليس له أحدٌ يزوره هناك، يقول حقدت على المجتمع، كرهته، لم يعامله بإنصاف، ظلمه كثيراً ذلك المجتمع حتى أنه لم يتح له الفرصة أن يكون له أحباب يشتاق لزيارتهم!
نذر شاكر على نفسه أن يساعد الطلاب إن وفقه الله بالحصول على قبول، رغم أنه قبل ذلك لم يكن له نشاطات، فحتى في أمريكا عانى من عنصرية بعض السعوديين الذين لم يتركوا شيئاً فيه لم ينتقدوه، انتقدوه لأصله وشكله، بل حتى نظاراته لم تسلم من نقدهم! ينتقدونه ليتسلوا ولم يعلموا أن هناك قلب يحترق، هناك دموع سكبها ذلك الرجل قهراً على حاله، لا ينسى شاكر أنه مرض في أمريكا ودخل المستشفى وبقي فيها مدة لم يسأل عنه أحد، قتلته تلك الوحدة، كأنه كان يقول لو مت لم يعرف أحد عني شيئاً.
بعد أن وفقه الله بالحصول على قبول أوفى شاكر بنذره وبدأ يساعد الناس عبر المنتديات، ولكنه أحس أنها لا تكفي، لم تشبع طموحه بخدمة الناس، فكانت فكرة سعوديون في أمريكا، أسسها مع زميله في السكن مشعل العنزي عام ٢٠٠٨م، ثم بعدها انضمت لهم غادة الغنيم.
لقد علم أن هناك شح في المعلومات للطلابة الجدد، وصعوبات أكبر في الحصول على قبول، قلبه الكبير رفض أن يستمتع بفرصة رؤية أبناء مجتمعه الذي ظلمه يعانون للحصول على قبول، أو في التقديم على الفيزا، أو حتى لعيش رهبة الغربة، كان هدفه أن يهيئ الطالب حتى قبل سفره بإعطائه المعلومات الأساسية التي يحتاجها.
هل تقبّل المجتمع شاكر علي بعد ذلك؟!
لا، إلا من رحم ربي فقد عانى شاكر من صنوف الشتائم والكلمات المثبطة، تحدثوا عن شكله وشككوا في أصله، لم يشكروه على ما فعل.
مع الوقت تغيرت أمور كثيرة، وزاد الوعي وتطور العمل ودخل لمرحلة أكثر احترافية وأصبح لشاكر علي قاعدة جماهيرية، وإن كان لم يُعدم من أعداء النجاح. وشخصياً أعتقد أن من ينتقدون ويجرّحون ليسوا أكثرية في مجتمعنا، ولكنهم غوغائيون يصدرون ضجيجياً، وفي المقابل ثقافة الشكر لدينا ضعيفة، فلربما دعى لك المستفيد بظهر الغيب ولكنه لا يقولها لك ويسعدك بها، حتى يخيل للشخص أنه منبوذ حينما تصله الانتقادات فقط!

شاكر قالها بصوت عالي وأعلم أنه يعنيها حرفياً: أنتم أيها السعوديون في أمريكا عائلتي التي لم أحصل عليها يومياً، أنا لدي أكبر عائلة أفخر بها، ولعل هذا يفسر شعار سعوديون في أمريكا "بيت الطالب السعودي في الولايات المتحدة" فهو أراد أن يكون هو البيت الكبير بعد أن حُرم أن يعيش في بيت مثل الباقين. يقول أن سعادتي لا توصف حينما تصلني اسئلتكم واستفساراتكم، اعتبرها منكم أسلوب تواصل، كأنكم تسألون عني، وستفتقدونني لو لم أرد عليكم.
حينما حصل على شهادة البكالريوس بكى حتى جف دمعه، بكى لنفسه، أخيراً حصل شاكر على شهادة تساعدة بإذن الله في تخطي الصعاب القادمة، شهادته هي قيمته المادية أمام المجتمع، وهي من ستقيه بإذن الله الحاجه للناس، وهو أعلم الناس بمذلة الحاجة للناس.
لقد عرفت شاكر علي منذ أكثر من عام بعد أن تشرفت بالعمل في سعوديون في أمريكا، ولا أعرف أحداً شخصياً يعمل بإخلاص مثل هذا الرجل، ولا أعرف أحداً أنجز للمبتعثين مثلما أنجز ذلك الرجل، ولا أعرف رجل جمع كل طموح الأرض مثل شاكر علي، ولو تعلمون ما يطرح علينا من مشاريع متتالية يرغب بتنفيذها للطلبة في أمريكا لوقفتم من خلف شاشاتكم لتصفقوا له، وسترى تلك المشاريع النور بإذن الله، وهو في الأخير، وأنا شاهد على ذلك، لا يريد من أحدٍ جزاء ولا شكورا، يريد الأجر من رب العالمين، ولا يطلب أكثر من أن يكف المحبطون عن تجريحه.
ويكفي أن تعلموا فلسفة سعوديون في أمريكا أن لا منافس لها، ولكن الجميع شركاء، ولم تترد يوماً في النشر والترويج لمواقع جديدة تُعنى بالطلبة أو صفحات في الفيسبوك أو حسابات على تويتر.. مادام ذلك يصب في مصلحة الطالب فهذا الهدف والمُنى.

خرجنا بتعاطف جم بعد أن بكى شاكر على المسرح أكثر من مرة، بكى وأبكانا، كنت أخفي دموعي ولكني وبالتفاته بسيطه وجدت الجميع يبكي، وقف المسرح كاملاً يصفق له ٣ مرات خلال كلمته والرابعه حينما خرج، أعتقد أن جميع الحضور شاركوني رغبة معانقته تلك اللحظة، كانت مزيج من التعاطف والإعجاب بكسره لآخر حاجز في حياته "الماضي"، وقد قالها بسعادة لا تخفى رغم أن عيونه كانت قد امتلئت بالدموع، اليوم واجهت الماضي وتحررت من قيده، وكانت هذه آخر عقبة تغلب عليها شاكر بعد أن حصل على الشهادة التي حلم بها، حقق النجاح الذي كان يبحث عنه، وجعل لنفسه قيمة وإسم.
في ٥ أبريل ٢٠١٣ كان الميلاد الحقيقي لشاكر علي بعد أن تحرر من كل القيود التي وضعها المجتمع له.

ختم شاكر كلمته بأن قال: ليس الفتى من قال كان أبي… إن الفتى من قال ها أنا ذا. بعد أن أكمل شاكر كلمته، خرج لنا هاني، شاب من بين الحضور، احتضن شاكر وأمسك المايك وقال أمام الجميع أن مثل حالتك يتيم، وعانى مثلما عانى شاكر من قسوة المجتمع، كأنه كان يحاول أن يرمي هذا الحمل، أن يواجه الناس به تماماً كما فعل شاكر وأرتاحوا جميعاً من إخفاء حقيقة ليس لهم فيها أي ذنب. وأنتم يا من خرجتم للدنيا لا تعرفون لكم أباً ولا أم، واجهوا مجتمعكم بثقة شاكر، ولا تنتظروا كما انتظر هو. المجتمع سيحترم الواثق من نفسه، تخفّيك عن أعين الناس لن يجلب لك إلا الآلم، أخرج لهم وقل ها أنا ذا! أعلم أنها ليست سهله، ولكني أجزم أنها هي ميلادك الحقيقي حينما تتحرر من ذلك القيد الوهمي الذي وضعت نفسك به.

ما تعلمته من تجربة شاكر أن مجتمعنا بتصرفاته العنصرية لا يمت لتعاليم الإسلام بصلة وإن ادعينا ذلك، ولأن مؤتمر متجاوز فكرته نشر ثقافة الوعي والإيجابية فلعلنا نجعل من شاكر أيقونة التغيير لمن هم مثله يعانون اليوم ماعاناه شاكر، لنربي أطفالنا بأن القرآن الكريم ينص على {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
لنربيهم على تقبل الناس كما هم، لنربيهم أن العنصرية داء يجب استإصاله، لنربيهم على أن يقولوا خيراً او يصمتوا!
كيف سيتم ذلك؟
لا تستهن بنفسك، أنشر قصة شاكر علي، أخبر اصدقائك وأهلك عنها، شاكر غيّر حياة كثير من المبتعثين وساعدهم عبر سعوديون في أمريكا، والآن  لنغير نحن ثقافة المجتمع، لنتوقف عن التجريح والإساءة، لنرتقي ونسمو حتى لو اختلفنا، لننشر ثقافة التسامح التي لدى شاكر علي.
شاكر علي يدرس الآن الماجستير، وبعد كلمته أعلن الأستاذ خالد المطرفي-مدير العربية في السعودية- على منح شاكر دورة تدريبة في المقر الرئيسي للعربية في دبي بعد حصوله على الماجستير بإذن الله.
شاكر علي عمره فقط ٢٦ عاماً، وقدم كل ما يستطيع، فماذا قدمنا نحن؟
شاكر علي قالها سابقاً، سأكون يوما ما وزيراً، وسيكون بإذن الله.

دمتم بخير، وصفاء قلب شاكر علي.

* ليس كل ما ذكر أعلاه قاله شاكر علي في المؤتمر، بعض المعلومات أضفتها من معرفتي الشخصية به.

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

سمرقند




بلاد تغنى بها القاصي والداني، هي اليوم أوزبكستان، استعصت على المسلمين ولكن قصة فتحها مختلفة، وفيها من العبر ما فيها.
ففي عهد الخلفية العادل الزاهد عمر بن عبدالعزيز كان قتيبة بن مسلم الباهلي أحد أشهر الفرسان، من ذوي الحزم والدهاء والرأي، وهو من فتح خوارزم وسمرقند وبخارى بالإضافة لبلاد الترك.
أما لماذا سمرقند كانت مختلفة؛ فلإن قتيبة فتحها عام 92هـ دون أن يدعو أهلها للإسلام أو الجزية، ثم يمهلهم ثلاثة أيام كما هي عادة المسلمين، ثم يبدأ القتال، حيث باغتهم وفتحها. ولما أُسقِط بيد أهلها وسيطر المسلمون على مدينتهم، تناهى إلى علم كهنتها أن ما قام به قتيبة مخالف لتعاليم الإسلام، وكمحاولة يائسة لإستعادة بلادهم أرسلوا رسولهم إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز يشتكون، ولم يكونوا يعوّلون على ذلك شيئاً إلّا خشية الندم أنهم لم يطرقوا كل السبل، وإلا من العاقل الذي يتخيل أن خليفة المسلمين سيخرج جيشه منها لأي سبب كان!
وقد ذهب الرسول فعلاً ووجد ذلك الخليفة الزاهد يأخذ طيناً يسد به ثلمة في بيته، وكانت إمرأته من تناوله ذلك الطين وهو مازاد العجب. المهم أن الرجل أوصل الرسالة التي معه من كهنة سمرقند، فقرأها ثم قلبها فكتب على ظهرها "من عبد الله عمر بن عبد العزيز إلى عامله في سمرقند أن انصب قاضياً ينظر فيما ذكروا" ثم ختمها وناولها للرسول.
وقد كان الرسول يحدث نفسه أن يرمي هذه الورقة لولا خشيته أن يكذبه قومه، فكيف لهذا الطريقة أن تخرج ذلك الجيش الجرار الذي سيطر على كامل المدينة. وكان الكنهة لما قرأوا الرد قد أظلمت الدنيا بوجههم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وعلموا أن بصيص الأمل قد زال، لكنهم أخذوها لعامل عمر بن عبدالعزيز على بلادهم، ونصّب لهم القاضي جُمَيْع بن حاضر الباجي لينظر في شكواهم، فاجتمعوا للقاضي وطرحوا شكواهم أن قتيبة لم يدعهم للإسلام أو الجزيه ولم يمهلهم ثلاثاً، ثم سأل القاضي خليفة قتيبة، والذي كان قد توفي رحمه الله، وقال لقد كانت أرضهم خصبة وواسعة فخشي قتيبة إن أذنهم وأمهلهم أن يتحصنوا عليه. وانظر عجيب رد القاضي وما سيترتب على حكمه من أموار كثيرة "لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً" ثم قضى القاضي بإخراج المسلمين على أن يؤذنهم القائد بعد ذلك وفقاً للمبادئ الإسلامية. نعم إخراج الجيش كاملاً حتى لا يبقى منهم أحد في المدينة، ويعاد فتح المدينة مرة أخرى طبقاً للإجراءات المتبعة، ولم يقبل عذر قائد بحجم قتيبة بن مسلم الباهلي، والذي كان لإسمه صنة ورنه، ولم يقل سأشاور في ذلك خليفة المؤمنين عمر بن عبدالعزيز، ثم انظر لإذعان الجيش وأولهم قيادته لشرع الله، فما غربت شمس ذلك اليوم إلّا والمدينة خالية من جيش المسلمين تماماً. ثم بدأ الجيش الإجراءات المعتادة في الفتوحات الإسلامية فعرضوا عليهم الإسلام أو الجزية أو القتال، لكن أهل سمرقند كانوا قد سُحروا تماماً بهذا الدين العظيم الذي أنصفهم وهم ضعفاء، وحكم لهم وهم غير مسلمون، فدخل أكثرهم الإسلام وفُرضت الجزية على الباقين.
دروس لا تنتهي في هذه القصة، ولكني هنا أركز على سحر العدل وموضعه في نفوس البشر، والعدل يرفع منزلة الحاكم في نفوس أعدائه قبل شعبه، وذلك إذا كان الشرع يُطبق على الجميع وينصف كل مظلوم مسلماً كان أو كافر. ثم إن من العبر أيضاً أن لا استثناءات في النظام والقانون بحسب ظروف الزمان والمكان، فلم يقل القاضي أننا في حالة حرب ويجوز في ذلك مالا يجوز في غيرها، بل إن الإختبار الحقيق للعادلة والإنصاف هي تلك المواضع الصعبة والقرارات المصيرية.
دمتم بخير.

الأحد، 10 مارس 2013

ألم يأن الأوان للتدقيق خلف الهدر المالي لوزارة التعليم العالي؟!


أعلنت الملحقية الثقافية السعودية في الولايات المتحدة بأنها توقفت عن صرف رسوم التسجيل لحضور المؤتمرات العلمية، والذي يحق للطالب المبتعث للدراسات العليا حضور مؤتمر واحد خلال فترة دراسته. إلى وقتٍ قريب كان الطالب يحصل على تعويض تسجيل المؤتمر بالإضافة لإمر الإركاب ومكافأة شهر أساسي، وقد أحدث هذا القرار ردود فعل غاضبة من الطلاب خصوصاً إذا ما علمنا أن رسوم التسجيل في المؤتمرات تصل إلى مبالغ كبيرة تتجاوز الـ800$ لبعضها.

الملحقية عللت سبب توقفها عن التعويض أنه بناء على قرار مجلس الوزارء رقم 180 لعام 1417هـ. نعم ليس هناك خطأ مطبعي 1417هـ!

أنا هنا لا ألوم الملحقية على توقفها عن الدفع فهي ليس جهة قرار، ولكنها جهة تنفيذية، لكن ما حصل يفتح الباب لسؤال كبير وهو تحت أي بند تم تعويض الطلاب عن هذه الرسوم خلال أكثر من 17 عاماً! خلال 17 عاماً ألم يكتشف أحد من الملحقية أن صرف هذا التعويض مخالفة للنظام؟
خلال 17 عاماً ألم يكن في وزارة التعليم العالي إدارة للشؤون المالية تتابع المصروفات؟
كم المبالغ التي تم صرفها بشكل غير نظامي على كافة الأصعدة؟
الفساد ليس فقط إختلاس المال العام، ولكنه أيضاً هدر المال العام بالتفريط بالأمانة وعدم تطبيق النظام. ربما يقول قائل "وقفت على ذي؟" والواقع أنها لم ولن تقف، ولكن هذا يقودنا لفتح ملف وزارة التعليم العالي ككل، فالمبالغ التي تخصص لها تتجاوز ميزانيات دول والمغذي الأول لتلك الميزانية هو برنامج خادم الحرمين الشريفين للإبتعاث والذي دخل مرحلته الثامنة وباقي فيه 7 سنوات أخرى. هناك من طالب بإنشاء مؤسسة تتولى زمام أمور هذا المشروع العملاق لتحقيق النتائج المرجوة منه أكاديمياً، ولعلي هنا أطالب بجهة رقابية على وزارة التعليم العالي، فوفرة السيولة وتعدد قنوات الصرف على برنامج الإبتعاث تجعل المسئولية مضاعفة لحفظ المال العام. ودعوني أضرب لكم مثالاً على حجم الهدر المالي الذي يمارس يومياً وهو يقع أولا وأخيراً على عاتق وزارة التعليم العالي بما أنها الجهة المسئول عن كافة الملحقيات الثقافية في الخارج، حيث كتبت منذ حوالي العام مقالاً (للإطلاع على المقال) انتقدت فيه طريقة تعامل الملحقية الثقافية مع تسلط المعاهد على الطلبة وتصيدهم للطالب السعودي الذي يمثل لهم شيك مفتوح، فالملحقية لا ترد على الشكاوى الموجهة من الطلبة ضد المعهد، والطالب ليس أمامه إلا الرضوخ وتقبل رسوبه، والملحقية تدفع الرسوم لذلك المعهد بكل رحابة صدر! وعدد الطلبة في مرحلة اللغة في أمريكا لوحدها قارب الـ30 ألف طالب! ومن المضحك المبكي ما حصل مؤخراً حينما زار أحد المشرفين الأقليميين بعد شكاوى عديدة معهد جامعة كانساس ليوبخ الطلبة على إعطائهم لأنفسهم الحق بتقييم المعهد، قائلاً لهم "من أنتم"، بحسب ما نشرته صحيفة عكاظ.
في النهاية لو تم زيادة عدد موظفي الملحقية ليقوموا بزيارات دورية للمعاهد لعلمت تلك المعاهد أن هناك من يدقق ورائها، وليس المطلوب هنا أن ينجح الطلاب المهملون، ولكن جل ما نبحث عنه أن تتعامل تلك المعاهد مع الطلبة السعوديين بنفس المعايير التي تعامل بها غيرهم من الجنسيات الأخرى. ولو تم فعلاً ذلك فتخيل معي كم من المبالغ سيتم توفيرها شهرياً على الدولة من رسوم تلك المعاهد، فعلى سبيل المثال في معهد ELS، والذي يضم عدد كبير من الطلبة السعوديين وله حوالي 60 فرعاً في الولايات المتحدة، الرسوم الشهرية 1730$ (6500) ريال، في الواقع أن الموظفون الجدد سيحصلون على رواتبهم من المبالغ التي سيفرونها على الدولة، هذا بالإضافة لإنصاف الطالب.
أصلح الله الحال.