الثلاثاء، 2 أبريل 2013

سمرقند




بلاد تغنى بها القاصي والداني، هي اليوم أوزبكستان، استعصت على المسلمين ولكن قصة فتحها مختلفة، وفيها من العبر ما فيها.
ففي عهد الخلفية العادل الزاهد عمر بن عبدالعزيز كان قتيبة بن مسلم الباهلي أحد أشهر الفرسان، من ذوي الحزم والدهاء والرأي، وهو من فتح خوارزم وسمرقند وبخارى بالإضافة لبلاد الترك.
أما لماذا سمرقند كانت مختلفة؛ فلإن قتيبة فتحها عام 92هـ دون أن يدعو أهلها للإسلام أو الجزية، ثم يمهلهم ثلاثة أيام كما هي عادة المسلمين، ثم يبدأ القتال، حيث باغتهم وفتحها. ولما أُسقِط بيد أهلها وسيطر المسلمون على مدينتهم، تناهى إلى علم كهنتها أن ما قام به قتيبة مخالف لتعاليم الإسلام، وكمحاولة يائسة لإستعادة بلادهم أرسلوا رسولهم إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز يشتكون، ولم يكونوا يعوّلون على ذلك شيئاً إلّا خشية الندم أنهم لم يطرقوا كل السبل، وإلا من العاقل الذي يتخيل أن خليفة المسلمين سيخرج جيشه منها لأي سبب كان!
وقد ذهب الرسول فعلاً ووجد ذلك الخليفة الزاهد يأخذ طيناً يسد به ثلمة في بيته، وكانت إمرأته من تناوله ذلك الطين وهو مازاد العجب. المهم أن الرجل أوصل الرسالة التي معه من كهنة سمرقند، فقرأها ثم قلبها فكتب على ظهرها "من عبد الله عمر بن عبد العزيز إلى عامله في سمرقند أن انصب قاضياً ينظر فيما ذكروا" ثم ختمها وناولها للرسول.
وقد كان الرسول يحدث نفسه أن يرمي هذه الورقة لولا خشيته أن يكذبه قومه، فكيف لهذا الطريقة أن تخرج ذلك الجيش الجرار الذي سيطر على كامل المدينة. وكان الكنهة لما قرأوا الرد قد أظلمت الدنيا بوجههم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وعلموا أن بصيص الأمل قد زال، لكنهم أخذوها لعامل عمر بن عبدالعزيز على بلادهم، ونصّب لهم القاضي جُمَيْع بن حاضر الباجي لينظر في شكواهم، فاجتمعوا للقاضي وطرحوا شكواهم أن قتيبة لم يدعهم للإسلام أو الجزيه ولم يمهلهم ثلاثاً، ثم سأل القاضي خليفة قتيبة، والذي كان قد توفي رحمه الله، وقال لقد كانت أرضهم خصبة وواسعة فخشي قتيبة إن أذنهم وأمهلهم أن يتحصنوا عليه. وانظر عجيب رد القاضي وما سيترتب على حكمه من أموار كثيرة "لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً" ثم قضى القاضي بإخراج المسلمين على أن يؤذنهم القائد بعد ذلك وفقاً للمبادئ الإسلامية. نعم إخراج الجيش كاملاً حتى لا يبقى منهم أحد في المدينة، ويعاد فتح المدينة مرة أخرى طبقاً للإجراءات المتبعة، ولم يقبل عذر قائد بحجم قتيبة بن مسلم الباهلي، والذي كان لإسمه صنة ورنه، ولم يقل سأشاور في ذلك خليفة المؤمنين عمر بن عبدالعزيز، ثم انظر لإذعان الجيش وأولهم قيادته لشرع الله، فما غربت شمس ذلك اليوم إلّا والمدينة خالية من جيش المسلمين تماماً. ثم بدأ الجيش الإجراءات المعتادة في الفتوحات الإسلامية فعرضوا عليهم الإسلام أو الجزية أو القتال، لكن أهل سمرقند كانوا قد سُحروا تماماً بهذا الدين العظيم الذي أنصفهم وهم ضعفاء، وحكم لهم وهم غير مسلمون، فدخل أكثرهم الإسلام وفُرضت الجزية على الباقين.
دروس لا تنتهي في هذه القصة، ولكني هنا أركز على سحر العدل وموضعه في نفوس البشر، والعدل يرفع منزلة الحاكم في نفوس أعدائه قبل شعبه، وذلك إذا كان الشرع يُطبق على الجميع وينصف كل مظلوم مسلماً كان أو كافر. ثم إن من العبر أيضاً أن لا استثناءات في النظام والقانون بحسب ظروف الزمان والمكان، فلم يقل القاضي أننا في حالة حرب ويجوز في ذلك مالا يجوز في غيرها، بل إن الإختبار الحقيق للعادلة والإنصاف هي تلك المواضع الصعبة والقرارات المصيرية.
دمتم بخير.

هناك تعليق واحد:

Fofa يقول...

شكراً على مشاركتنا هذه القصة الرائعه

ديننا دين الرحمة والعدل ❤